الصحافة الدولية
الصين "رابح وحيد" في حرب باردة جديدة.. ولا جدوى من تهديد روسيا
إلى أي مدى ضاقت الفجوة بين دول آسيا والغرب في مجال الإنفاق العسكري؟ وهل تسفر التهديدات الغربية لروسيا عن نتائج عكسية في الأزمة الأوكرانية؟ ومن الرابح الوحيد من حرب باردة جديدة؟ وماذا عن التعاون التجاري المحتمل بين الصين وأستراليا؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية.
«التهديد الصيني»
يوم الأحد الماضي، وتحت عنوان «التهديد الصيني المتنامي»، نشرت «كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية افتتاحية أشارت خلالها إلى أن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- ومقره لندن- أصدر في الآونة الأخيرة تقريراً مفاده أن الفجوة بين الغرب وآسيا في الإنفاق العسكري بدأت تضيق. الإنفاق العسكري لدول القارة آخذ في الازدياد، في الوقت الذي تخفض فيه معظم دول الغرب ميزانياتها العسكرية. المعهد أشار أيضاً إلى أن الإنفاق الحقيقي على الدفاع يزداد خاصة في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي، وبوتيرة متسارعة، وإلى أن إنفاق الصين على الدفاع يتجاوز إنفاق جيرانها. وهناك بيانات تؤكد صحة ما توصل إليه تقرير المعهد من نتائج، حيث أعلنت الصين أن موازنتها الدفاعية لعام 2014 بلغت 132 مليار دولار، بزيادة تصل نسبتها إلى 12.2 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وهي الزيادة الرابعة على التوالي، ففي 2011 كانت نسبة زيادة الميزانية الدفاعية 12.7 في المئة مقارنة بعام 2010، وبلغت الزيادة 11.2 في المئة في 2012، و10.3 في المئة خلل 2013. وحسب الصحيفة، يبدو أن الجيش الصيني، ينفق مبالغ تفوق تلك التي يعلن عنها، وضمن هذا الإطار، يعتقد بعض المحللين أن الإنفاق العسكري الصيني المعلن عنه لا يتضمن الأموال التي يتم صرفها على البحوث والتطوير ولا تلك التي يتم إنفاقها على شراء أسلحة من الخارج. من جانبها، قدّرت وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية أن إجمالي ميزانية الدفاع الصينية لعام 2013، وصلت 240 مليار دولار، أي ضعف الرقم المُعلن عنه تقريباً. الصحيفة ترى أن الزيادة السريعة في الإنفاق العسكري الصيني تدعو الدول الآسيوية للقلق، لاسيما أنها تأتي في وقت باتت بكين أكثر حزماً في دبلوماسيتها وسياستها العسكرية. ومصدر القلق الأساسي يكمن في أن التطوير العسكري الصيني سيؤجج سباق تسلح آسيوي، أو بالأحرى سباق تسلح في منطقة تنتشر فيها قوات تنتمي لأكثر بلدان العالم إنفاقاً على الدفاع وهي: الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية. وبات واضحاً أن التمدد العسكري الصيني يوفر ذريعة لرئيس الوزراء الياباني ذو النزعة القومية لتسريع مساعيه الرامية إلى تعزيز دور قوات الدفاع الذاتي اليابانية.
نتائج عكسية
يوم الجمعة الماضي، وتحت عنوان «التهديدات الأميركية ضد بوتين ستسفر فقط عن نتائج عكسية»، كتب «جوش كوهين» في «ذي موسكو تايمز» الروسية مقالاً، استهله بالقول إنه في غمرة الضغوط الرامية لدفع أوباما نحو فعل شيء لمعاقبة روسيا جراء تدخلها في أوكرانيا، لجأت الولايات المتحدة إلى اثنتين من وسائلها الخارجية، كالتهديد بفرض عقوبات على موسكو، وطردها من مجموعة الثماني. السيناتور «الجمهوري» جون ماكين كرر مقوله كان قد أطلقها عام 2008 إبان الحرب الروسية - الجورجية، حيث قال: «كلنا أوكرانيون الآن». ويرى الكاتب، وهو موظف سابق في الخارجية الأميركية متخصص في مشاريع الإصلاح بالاتحاد السوفييتي السابق، أن الرئيس الروسي سيتجاهل على الأرجح تهديدات الغرب، وسيسعى أولاً وقبل أي شيء نحو منع أوكرانيا من اللحاق بالغرب، وهذا مطلب أساسي وجوهري لفلاديمير بوتين، والمؤسسة الروسية عمومياً. ويبدو أن الساسة والمحللين السياسيين الأميركيين تجاهلوا هذه الحقيقة منذ براية الأزمة الأوكرانية في نوفمبر 2013. الغرب- حسب الكاتب- بحاجة إلى إدراك أن أوكرانيا مهمة جداً بالنسبة للروس وبالنسبة لبوتين. وينوّه الكاتب إلى أن حلفاء الولايات المتحدة، خصوصاً ألمانيا، غير مستعدين للدخول في سياسة واشنطن الرامية إلى فرض عقوبات ضد روسيا، فتجارة أميركا واستثماراتها في روسيا لا تزال في حدودها الدنيا، لذا ما الذي يجعل الرئيس الروسي يفكر أكثر من مرة قبل اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة؟
ويرى الكاتب أن التهديد بمعاقبة روسيا سيؤزم المشهد ويزيده تعقيداً، كونه يستعدي روسيا دون أن يسفر عن نتيجة إيجابية. التهديد الغربي للكريملن سيضع بوتين في الزاوية على الصعيد المحلي، ورضوخه لتهديدات الغرب سيعتبر انتحاراً سياسياً، خاصة أن قوة بوتين السياسية سواء لدى العامة أو داخل المؤسسات الروسية، جعل البعض يتنبأ بقدرته على تقديم روسيا كقوة عظمى. ولنتخيل أن الزمن عاد للوراء وتبدلت المواقف، وقررت روسيا فرض عقوبات على الولايات المتحدة بسبب غزو الأخيرة للعراق عام 2003، ببساطة كان بوش الابن سيتجاهل تهديدات موسكو. بوتين لا يفكر كما لو أن بلاده مثل الولايات المتحدة، أي قوة عظمى وحيدة في العالم، بل ينظر لنفسه على أنه «بوش الراهن» الذي بمقدوره غزو بلد ما دون التعرض لعقوبات تصدر بقرار من مجلس الأمن. الرئيس الروسي يفهم أن المواجهة العسكرية بين بلاده والولايات المتحدة أمر غير محتمل، ليست فقط بسبب المخاطر العالمية التي قد تترتب عليه، بل لأن روسيا ليست مثل ليبيا أو العراق، فهي قوة نووية، ناهيك عن أن شهية الأميركيين لخوض نزاع عسكري جديد باتت ضئيلة، حيث تراجع دعم الأميركيين للتدخلات العسكرية الخارجية- حسب آخر استطلاعات مركز «بيو» إلى ما دون النسبة التي كانت عليها منتصف سبعينيات القرن الماضي، أي خلال الحرب الفيتنامية. الكاتب قدم «وصفة» لحل الأمة الأوكرانية من بين بنودها أن يطمئن الغرب روسيا بأن أوكرانيا لن تكون مرشحة للانضمام إلى «الناتو»، ذلك لأن الشراكة القائمة بين حلف شمال الأطلسي وكييف هي مصدر قلق لبوتين وربما هي الدافع لردود فعله الراهنة على ما جرى في أوكرانيا.
بكين.. الرابح الوحيد
من «جابان تايمز» اليابانية، نقرأ مقال «براهما شيلاني»، صدر بعددها يوم الجمعة الماضي بعنوان «الصين تستفيد من المواجهة الأميركية الروسية»، استنتج خلاله أن الصين هي الرابح من الناحية الجيوسياسية، جراء التوتر الأميركي الروسي على خلفية الأزمة الأوكرانية. شيلاني، وهو خبير استراتيجي، يرى أن الصين ستربح للمرة الثانية من حرب باردة بين موسكو وواشنطن، فبكين استفادت من «دبلوماسية البينج بونج» الأميركية التي جعلت الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون يقوم بخطوة تاريخية ويصافح الزعيم الصيني ماو تسي تينج عام 1972، أملاً في أن تكون الصين التي كانت قوة نووية صاعدة آنذاك- نداً للاتحاد السوفييتي في منطقة الباسفيكي. والحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو ستوفر مساحة أكبر للصين كي تزحف عبر مزيد من الأراضي والأقاليم الآسيوية.
المخاطر الجيوسياسية في آسيا طفت على السطح من خلال تصريحات رئيس الوزراء الياباني، الذي قال إن بريطانيا وألمانيا دخلتا في حرب عام 1914 رغم تداخل اقتصاديهما، بطريقة تشبه الاعتماد الاقتصادي المتبادل في وقتا الراهن بين الصين واليابان، كما أن الرئيس الفلبيني شبّه الزحف الصيني على بعض المناطق بـ«توسع ألمانيا النازية»..
تجارة حرة مع أستراليا
تحت عنوان "حرية التجارة في النظام العالمي الجديد"، نشرت "سيدني مورنينج هيرالد" الأسترالية يوم الجمعة الماضي افتتاحية قالت في مستهلها إن رئيس الوزراء الصيني "لي كيكيانج" تعهد بتسريع محادثات بلاده مع أستراليا الرامية إلى تدشين منطقة تجارة حرة، وهذا في حد ذاته خبر جيد، يحمل في طياته مكاسب اقتصادية محتملة تصل إلى 20 مليار دولار إضافة إلى مكاسب استراتيجية ينبغي التعامل معها ببراعة. تصريح رئيس الوزراء الصيني يأتي على خلفية نقد الصين لسياسة أستراليا الخاصة بمنح حق اللجوء السياسي، ورفض بكين تعليقات صدرت عن كانبيرا بشأن نزاعات حدودية بين الصين واليابان. الصحيفة لفتت الانتباه إلى أن أي محادثات تجري بين الصين وأستراليا حول منطقة تجارة حرة بينهما ينبغي أن تنسجم مع التزامات أستراليا بشراكتها الراهنة عبر المحيط الهادئ. هذه الشراكة تسعى الولايات المتحدة إلى تدشينها بين12 دولة مطلة على المحيط ليس من بينها الصين، فواشنطن تسعى من خلال "الشراكة عبر الهادئ" لحل معضلة هي الأكثر تعقيداً بالنسبة لسياسة واشنطن الخارجية في القرن الحالي، ألا وهي احتواء الصعود الصيني والتعامل مع الطموحات السلمية لبكين. الصحيفة أشارت إلى أن رئيس الوزراء الأسترالي سيزور الصين الشهر المقبل، بعد زيارة مرتقبة إلى اليابان التي ستوقع اتفاقية تجارة حرة مع أستراليا، علماً بأن اليابان ستلتحق بمفاوضات "الشراكة عبر الهادئ".
إعداد: طه حسيب
إعداد: طه حسيب