سواء صدّق الآخرون أم لا، فإن الليبرالية هي الضمان الأمثل لمستقبل نظيف وآمن. وها هو تقرير الشفافية يثبت أن أكثر الدول فساداً هي الدول التي تدعي التدين بالانحناء لأطروحات الفكر الديني مثل الكويت التي تدهورت من المرتبة (35) إلى المرتبة (44) في مستويات الفساد. وبرغم هذا التقرير المخزي لدولة ديمقراطية مثل الكويت كما يعتقد كثير ممن ينظرون إلى الكويت من الخارج، لا تزال حكومتنا تملك وجهاً أعرض من الحائط بحديثها عن الإصلاح. ولكن لا مجال لتنامي الليبرالية في أجواء "الإرهاب" الفكري الذي يمارسه الفكر الديني. وحيث إن معظم الحكومات العربية قد أصبحت تعيش على تحالفها المجرم مع الجماعات الدينية وتستعين بالفقهاء في كل صغيرة وكبيرة، فقد أصبح من المستحيل مواجهة هذه الجماعات ورجال الدين على المستوى المحلي. وانظر إلى القنوات الفضائية العربية تجد هوساً بالبرامج الدينية التي لا تجد الإقبال الشعبي إلا في مجال البحث عن فتاوى للرافضين استخدام عقولهم لفهم دينهم فيلجأون إلى رجل الدين الأقل منهم علماً، بل وفهماً للحياة لا لشيء سوى أنه رجل دين. لكن رجل الدين هذا قد تجاوز حدوده الضيقة التي كان يمارسها في السابق، وأخذ يفتي في كل شيء، حتى فيما لا يفهم منه شيئاً مثل الاستنساخ والهندسة الوراثية وعلوم الفضاء. ولو اقتصر الأمر على هذا لهان الأمر، لكن الفتوى أخذت تمتد حتى أصبحت تشجع على إرهاب الآخرين فكرياً والدعوة للقتل والإيذاء باسم الدين.
وإزاء هذا التواطؤ المتنامي بين بعض الأنظمة العربية والجماعات الدينية والسماح لها بإيذاء المجتمع والمفكرين والمثقفين، تداعى بعض المفكرين لدعوة الأمم المتحدة لإنشاء محكمة دولية لـ"لإرهاب"، وهي الدعوة أو النداء الذي أطلقه ثلاثة من المفكرين العرب الذين يراقبون أحوال أمتهم العربية تتدهور من سيئ لأسوأ بفعل التيار الديني. وهؤلاء المفكرون الثلاثة هم، د. جواد هاشم وزير التخطيط العراقي الأسبق، والمفكر التونسي العفيف الأخضر ود. شاكر النابلسي الذي فرض نفسه فكرياً من خلال كتاباته المبدعة على صفحات الأنترنت، حيث طالب النداء مجلس الأمن الدولي في الإسراع لإنشاء محكمة دولية تختص بمحاكمة "الإرهابيين" من أفراد وجماعات وتنظيمات بما في ذلك الأفراد الذين يشجعون على "الإرهاب" بإصدار الفتاوى باسم الدين.
هذه الدعوة الإنسانية أصبحت أمراً لازماً اليوم للقضاء على "الإرهاب" الديني أو تجفيف مصادره كما تم تجفيف المصادر المالية، وقد حان الوقت للمجابهة الفكرية من خلال القانون الدولي الذي يلزم جميع الدول دون استثناء، وهو القانون الذي لا يسمح للأنظمة المتعاونة مع الجماعات الدينية بالتهرب من مسؤولياتها في هذا المجال. ويا حبذا لو أن مجلس الأمن أرفق مع إنشاء هذه المحكمة لجنة تكون مهمتها تحديد رجال الدين وأتباع التيار الديني الذين يصدرون فتاوى تؤيد "الإرهاب" والقتل وإصدار لائحة بأسمائهم باعتبارهم مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ليتم اعتقالهم في أي بلد وتقديمهم للمحكمة الدولية لـ"لإرهاب". وهذا هو الحل الأكثر عملية لتأديب الدول المتعاونة مع هذه الجماعات وللجم رجال الدين عن إصدار الفتاوى "الإرهابية". لكن أن يُترك رجل الدين على راحته دون رادع لا لشيء سوى أنه رجل دين يحتمي وراء النصوص الدينية لإيذاء وقتل الآخرين ثم ينام مطمئناً دون أي خوف من قانون، فهذا عبث ما بعده عبث بحياة الآخرين، وخاصة أنه لا توجد حكومة عربية تجرؤ على تقديمهم للمحاكمة.
لذلك نعتقد أن هذا النداء هو الحل الأخير لإنقاذ المجتمعات العربية من شرور رجل الدين "الإرهابي"، وبدون شك أن رجل الدين المسالم الذي لا شأن له بمثل هذه الأمور "الإرهابية" لن يناله أي أذى.