الحوادث المرورية.. مؤشرات مقلقة
برغم الجهود التي تقوم بها وزارة الداخلية للارتقاء بالسلامة المرورية على مستويات مختلفة، فإن الإحصاءات التي كشف عنها مدير عام الإدارة العامة للتنسيق المروري في الوزارة مؤخراً تكشف بجلاء عن استمرار التكلفة المجتمعية المرتفعة للحوادث المرورية، حيث أشار إلى ارتفاع عدد ضحايا حوادث الطرق على مستوى الدولة خلال العام 2013، والتي نتج عنها 651 متوفى، و7743 مصاباً، وبلغ عدد وفيات المواطنين 138 حالة، وهي معدلات تزيد على الحوادث المرورية التي وقعت عام 2012، والتي راح ضحيتها 628 متوفى و?7586 مصاباً.
استمرار هذه المعدلات المرتفعة للحوادث المرورية لا يتماشى مع الجهود العديدة التي تبذلها وزارة الداخلية لرفع السلامة المرورية، والتوعية بأهمية القيادة الآمنة، فيما يشير إلى أن نسبة كبيرة من أصحاب المركبات لا يلتزمون بالمعايير والقواعد التي تضعها إدارات المرور، غير عابئين بالعقوبات المشددة، والتي تتضمن فرض غرامات مالية كبيرة عليهم، وقد تسحب رخصة القيادة منهم. وهذا الأمر يتطلب التفكير بشكل جدي في تغليظ هذه العقوبات، وخاصة أن الأسباب التي تقف وراء النسبة الأكبر من هذه الحوادث ناتجة عن أخطاء يمكن تجنبها، كعدم ترك مسافة كافية بين المركبات ودخول الشارع قبل التأكد من خلوه والسرعة الزائدة والإهمال وعدم التنبه وتجاوز الإشارة الحمراء وعدم الالتزام بخط السير واتباع قوانين المرور وإرشادات السلامة.
إن استمرار المعدلات المرتفعة للحوادث المرورية ينطوي على تكلفة مجتمعية باهظة، لا تقتصر فقط على ضحايا هذه الحوادث، وإنما في تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، فليس من قبيل المبالغة القول إن ضحايا الحوادث المرورية ليسوا هم فقط المتوفين أو المصابين، وإنما الأمر يتجاوز ذلك بكثير إلى الأسر والعائلات التي يعولها هؤلاء الضحايا، وخاصة إذا كانوا ضمن فئة الشباب الذين يعتبرون من الطاقات الإنتاجية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية والعلاجية المقدمة للمصابين في هذه الحوادث حيث تكاليف العلاجات والإقامة بالمستشفيات والإسعافات وغيرها، وهي التكاليف التي كان يمكن توجيهها لأهداف أخرى. وفي هذا السياق تشير إحصائيات أعلنتها شركة الإمارات لتعليم قيادة السيارات العام الماضي، خلال جلسة نظمتها دائرة التنمية الاقتصادية أبوظبي، إلى أن تكلفة الحوادث المرورية على مستوى الدولة سنوياً بلغت 9,3 مليار درهم، 3,5 مليار درهم نصيب إمارة أبوظبي منها، وهي لاشك تعتبر تكلفة باهظة بكل المقاييس. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن هذه الحوادث المرورية تقدم صورة مشوهة ومغلوطة عن البنية التحتية في الدولة، إذ لا يعقل أن تتمتع طرق الإمارات بأفضل المعايير والمواصفات العالمية، ثم تتحول هذه الطرق المثالية إلى ساحة يومية للحوادث المرورية بسبب استهتار وقلة وعي بعض السائقين ومستخدمي الطرق، وهذا أمر لاشك له تكلفته الاقتصادية غير المنظورة، وخاصة على قطاع السياحة، إذ أن نسبة كبيرة من السياح تتجنب زيارة الدول التي ترتفع فيها معدلات الحوادث المرورية.
لا أحد ينكر الجهود المتعددة التي تقوم بها وزارة الداخلية من أجل الارتقاء بالسلامة المرورية، وخفض وفيات الحوادث المرورية لتصل إلى المعدلات العالمية، لكن نجاح أي استراتيجية في هذا الخصوص يتطلب إشراك كل أطراف المعادلة المرورية في تنفيذها، والعمل على تغيير الثقافة المرورية السلبية التي تقف وراء كثير من المخالفات والحوادث المرورية.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.