الصحافة الفرنسية
فضيحة «ساركوجيت» تشغل فرنسا.. وسلاح «السوق» لمواجهة روسيا
تداعيات فضيحة «ساركوجيت» في فرنسا، والعقوبات الغربية ضد روسيا، ومستقبل مفاوضات النووي الإيراني، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
فضيحة «ساركو-جيت»
في مقال في صحيفة لوفيغارو بعنوان «ساركوجيت: ظلال شك» انتقد الكاتب إيف تريار طريقة تعامل الرئيس فرانسوا أولاند مع ما بات يعرف إعلامياً بفضيحة «ساركوجيت»، وهي قضية أثارها ما قيل إنه تنصت جرى على الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، حيث قال أولاند منذ أيام قريبة أمام مجموعة من النواب استقبلهم في قصر الأليزيه: «لا تستاؤوا، أنا أراقبه، وأعرف ما يفعل بالضبط». ولعله لم يكن يتوقع أن تنفجر بعد ذلك بوقت قصير فضيحة المراقبة والتنصت على هاتف سلفه في المنصب الرئاسي، إضافة إلى مراقبة محامي هذا الأخير واثنين من وزرائه السابقين. واليوم مع ظهور هذه الفضيحة يسعى اليسار الحاكم للتملص من تبعاتها، وكأن تزامن كل هذه الوقائع جاء بمحض الصدفة. وعلى رغم التعلق المعلن باستقلال القضاء فقد اتخذ اليسار مؤخراً بعض التدابير المتضاربة مع القناعات المعلنة. فقد عرفنا الآن عن وجود تعميم موقع بتاريخ 31 يناير الماضي يقضي بأن تضع جميع نيابات فرنسا أطرافاً في السلطة التنفيذية في صورة واضحة عن كل القضايا المعتبرة على أنها حساسة، وفي أدق التفاصيل. كما تلت ذلك الرغبة في طرد المدعي العام في باريس فرانسوا فاليتي، لا لشيء إلا لأنه عُين أصلاً في عهد الرئيس السابق. وقد أصبح الآن الموقف منه أكثر قابلية للفهم، حيث إن ذلك القاضي يمتلك كامل السلطة على نيابة الأموال. وهذه هي المكلفة الآن بالملف الذي تم التنصت على ساركوزي بشأنه. وعندما نضع هذه الوقائع إلى جانب بعضها بعضاً تغدو العلاقة بينها مجرد تحصيل حاصل.
وفي سياق متصل حللت افتتاحية أخرى لفابريس روسيلو في صحيفة ليبراسيون فضيحة «ساركوجيت» من منطلق مختلف يوجه سهام اللوم والنقد لممارسات الرئيس السابق، حيث ذهبت إلى أن ما تكشّف حتى الآن عن عمليات التنصت يظهر أن الأمر يتعلق بفضيحة دولة من العيار الثقيل لم يعد في مقدور اليمين الفرنسي نفيها من الأساس. وبحسب ما سرب موقع «ميديابار» من مضمون التسجيلات الموضوعة الآن في عهدة القضاء، فإنها تبرر بشكل لا لبس فيه فتح تحقيق حول التربح من النفوذ وخرق أسرار وإساءة استخدام السلطة من طرف الرئيس السابق. وإذا تأكدت هذه المعلومات فإن من شأنها أن تعرّي وسائل الالتفاف التي اتبعها ساركوزي ومحاميه، لهدف وحيد هو عرقلة عمل القضاء. والشواهد هنا عديدة، وليست فقط مقتصرة على ما جرى خلال أطوار فضيحة «بيتانكور» الشهيرة، هذا دون الحديث عن تواطؤ محتمل أيضاً في الملف الليبي، خاصة حول الاتهامات بتمويل القذافي لحملة 2007 الرئاسية.
وتوقف الكاتب في نقده خاصة عند ما اعتبره مكالمات مفتعلة لتضليل الشرطة، وإساءات لفظية بذيئة للقضاة وردت على لسان محامي الرئيس السابق. وأخطر من هذا كله السجال المفتعل الذي اختلقه حزب ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية» طيلة الأسبوع الماضي لإغراق الحقيقة في بحر من القيل والقال، وتقديم ساركوزي في لبوس الضحية بدل أن يكون في موقف المتهم لأسباب وقرائن جدية، وذات مصداقية. وليس سراً أن ساركوزي نفسه يسعى من وراء استدرار العطف الآن لتغذية حلمه بعودة سياسية يريد الإيهام بأنها حتمية في انتخابات سنة 2017. ولكن كل هذا السجال الوهمي واللغو السياسي ينبغي ألا يشتتا الاهتمام عن أساس القضية، وهو ضرورة معرفة حقيقة ممارسات ساركوزي عندما كان سيد قصر الأليزيه.
التجاذب الروسي- الغربي
نشرت صحيفة لوموند مقالاً عن التجاذب الروسي الأميركي الأخير على خلفية أزمة شبه جزيرة القرم، مؤكدة أن حالة برود شديدة في العلاقات بين العاصمتين هي عنوان المرحلة الآن، بل إن أزمة القرم في الواقع تضع الروس في مواجهة بالغة الخطورة مع الغربيين بصفة عامة، وليس الأميركيين وحدهم. ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق لم تشهد حالات الشد والجذب بين روسيا والغرب درجة من التصعيد كهذه التي تعرفها الآن. وفي هذا السياق تأتي حزمة العقوبات التي أعلنتها واشنطن يوم الخميس الماضي، 20 مارس، ضد روسيا لتمثل في الواقع مستوى جديداً من مستويات تصليب الموقف الأميركي تجاه الكرملين. وتستهدف هذه العقوبات خاصة بعض أفراد الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين، مثل قائد أركانه تحديداً، وكذلك بنك «روسيا» الموصوف بأنه مؤسسة مالية محسوبة على محيط الرئيس وبعض المقربين منه. ولن يكون في مقدور المستهدفين بهذه العقوبات الأميركية التصرف في الأموال في الخارج كما كان عليه الحال في السابق.
وفي سياق المواجهة نفسها مع روسيا ينتظر من قادة دول الاتحاد الأوروبي أن يزيدوا هم أيضاً الضغوط المالية والاقتصادية على الكرملين، حتى لو كان بعض هذه العقوبات يكتسي طابعاً رمزياً في المقام الأول، إلا أن الجميع في بروكسل يعرف أيضاً أن الموقف الأوروبي لابد أن يكون قوياً ومؤثراً ومواكباً للموقف الأميركي الذي ارتقى إلى درجة من القوة في مواجهة روسيا لم يسجل لها مثيل منذ سنة 1991. ولكن لوموند رجحت أيضاً في مقال آخر ألا يتأثر أو يتغير موقف الرئيس الروسي المنتشي بضم القرم، حيث يبدي عدم اكتراث بهذه العقوبات الغربية، وعدم اهتمام أيضاً بمسألة طرد بلاده من مجموعة الثماني، وهو أقل اهتماماً كذلك بغضب أوروبا والولايات المتحدة. وعلى العكس من كل هذا يعتقد أن شعبيته في الداخل الروسي نفسه قد زادت، حيث يستثمر في دغدغة النزعات القومية الروسية. ولكن روسيا كدولة بازغة حتى لو كانت غنية وصناديقها مليئة بالأموال تبقى في أمسّ الحاجة للشراكات الاقتصادية الخارجية، خاصة في المجالات الصناعية المتقدمة، ولذا يرجح أن يكون سلاح «السوق» فعلاً هو أنجع وسيلة لمواجهة اندفاع قيصر الكرملين الجديد.
وفي افتتاحية أخرى كتبها بيير روسلين في صحيفة لوفيغارو بعنوان «المعضلة الأوكرانية» قال إن ضم القرم إلى روسيا ليس في الواقع سوى طلقة استهلالية لصراع سيصحبنا لوقت طويل. ويبدو أن بوتين قد فاز بالجولة الأولى بكل المقاييس. فقد وضع يده على أراض ذات أهمية استراتيجية كبيرة، كان ينظر إليها ذات يوم على أنها هي جوهرة تاج الإمبراطورية الروسية. وعزز أيضاً موقف نظامه في داخل روسيا نفسها، بطريقة استعراضية. وفي الوقت نفسه زرع بذور عدم الاستقرار في أوكرانيا، وأيضاً فيما وراءها في أوروبا حيثما وجدت أقليات ناطقة بالروسية، تحت دعوى توفير «الحماية» لها، وفضاء حضور / وجود هذه الأقليات يمكن أن يمتد حتى دول البلطيق. وفي المحصلة فقد نجح بوتين في وضع العالم الغربي في موقف الدفاع. ويمضي الكاتب محملاً المسؤولية عن كل ما جرى للدبلوماسيات الغربية، وما تتصف به من عمى استراتيجي، من وجهة نظره، فقد أخفقت في قراءة توجهات الكرملين، وردود فعله المتوقعة، وأظهرت طيلة أطوار الصراع السياسي الراهن عدم قدرة على الإمساك بزمام المبادرة، ونقصاً كبيراً في الخيال السياسي.
القرم والنووي الإيراني
اعتبرت صحيفة لوموند أن أزمة القرم من شأنها أن تعقد عملية العودة إلى محادثات الملف النووي الإيراني، مبرزة أن الغربيين يأملون ألا تكون لها تداعيات معيقة على إمكانية التوصل إلى حل نهائي مع طهران حول برنامجها النووي خلال جولات التفاوض المقبلة. ولكن المشكلة أن وحدة مواقف القوى الكبرى الست المعنية بهذه المفاوضات باتت الآن محل تساؤل بعد الشرخ الكبير الحاصل بين روسيا والدول الغربية. وخلال جولة المفاوضات الأخيرة بدا أن المهمة لا تزال صعبة للغاية، وقد عبرت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كاثرين آشتون عن ذلك عدة مرات مؤخراً، مؤكدة غياب «ضمانات تقدم» في اتجاه الاتفاق النهائي المأمول التوصل إليه بكيفية تستجيب لمطالب المجتمع الدولي.
ويعتبر الغربيون أن التوصل إلى اتفاق نهائي مقبول سيكون متعذراً ما لن يتم تقليص نقاط الخلاف، والإقدام على اتخاذ مواقف صعبة بشأن النقاط المختلف عليها حتى الآن. ونسبت الصحيفة إلى من وصفته بأنه مسؤول إيراني كبير قوله إن المرشد قد منح المفاوضين الإيرانيين توقيعاً على بياض يسمح لهم بتقديم كل الضمانات الممكنة للمفاوضين الغربيين. وإن كانت ترجح أيضاً أن المفاوضات ستزداد صعوبة مع مرور الوقت لأن صقور المحافظين المتشددين في طهران يراقبون عن كثب سيرها، وهو مؤشر مثير للقلق لجهة احتمال تأثيرهم سلباً عليها في أية لحظة.
إعداد: حسن ولد المختار