فقدت دولة الإمارات والأمة العربية والإسلامية برحيل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، قائداً وزعيماً عربياً مميزاً ساهم مساهمة فعالة ليس في نهضة بلده فقط بل في ترسيخ مفاهيم وحدوية جديدة للأمة العربية.
تولى الشيخ زايد حكم إمارة أبوظبي في عام 1966 ومنذ ذلك اليوم الأول لاستلامه المسؤولية سارع في تحديث وتطوير إمارة أبوظبي على أسس عصرية حديثة أصبحت مثالاً يحتذى به في العالم العربي والعالم الثالث.
منذ بدايته الأولى حرص فقيد الأمة العربية على ترسيخ مفاهيم الوحدة العربية بطريقة مختلفة بعيداً عن إطلاق الشعارات والمزايدات السياسية الرخيصة، فالإنجاز الحقيقي لفقيد الإمارات والأمة العربية برأينا هو عشقه وولعه بتحقيق الوحدة العربية. فمنذ بدايته الأولى حرص على أن يعمل على توحيد دول الساحل العربي في دولة واحدة حتى قبل رحيل القوات البريطانية عام 1970. فقد بادر بالاتصال بصديقه ورفيق دربه المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في عام 1968 ليعرض عليه وحدة إمارات الساحل، وسعى الفقيد للاتصال بحكام قطر والبحرين ليعرض عليهم فكرة قيام دولة اتحادية، لكن حكام البحرين وقطر كانوا يريدون قيام دولة مستقلة بعيدة عن الاتحاد. لكن ذلك لم يحبط الشيخ زايد بل سعى لتوحيد إمارات الساحل وتحقق حلمه بتشكيل دولة الاتحاد في عام 1971 وترأس هذه الدولة حتى وفاته.
السؤال هنا: لماذا نجح زايد في تحقيق وحدة دولة الإمارات، حيث فشل القادة العرب في المشرق والمغرب العربي في تحقيق الوحدة التي يريدونها؟ فالوحدة بين مصر وسوريا فشلت، وكذلك وحدة العراق وسوريا، وكذلك وحدة مصر والسودان وليبيا والعديد من الدول العربية والأفريقية. السبب الرئيسي لنجاح الشيخ زايد هو حرصه على أن يعطي قبل أن يأخذ من الآخرين الذين انضموا إليه في وحدته. فهو في حكمه حرص على أن يعطي الساحل الفقير من خيرات أبوظبي حتى قبل أن تتحقق وحدة الإمارات. فمعظم المشاريع التنموية والبنية التحتية والمعاهد العلمية والمؤسسات الصحية في دولة الإمارات تم الإنفاق عليها في معظم الحالات من أموال المرحوم في أبوظبي. كان شعاره دائماً هو أن خير أبوظبي هو خير لكل الإمارات والعرب... لذلك ساهم الفقيد في المشاريع التنموية في العديد من الدول العربية. فالكثير من المدن والطرق والمستشفيات والمدارس وغيرها في كل أرجاء الأمة العربية شيدت باسمه، لذلك لا غرابة في حب المواطنين العرب للشيخ زايد ودولته وشعبه.
إنني على المستوى الشخصي لا أنسى كرم دولة الإمارات ورئيسها على استضافتهم للجالية الكويتية إبان الغزو الغاشم. لقد عشت في دولة الإمارات لمدة عام تقريباً وعرفت عن قرب سر تعلق شعب الإمارات بقائد مسيرته. فهو شخص كريم ومتواضع وذو أخلاق راقية علم أبناءه حب وطنهم وعشقهم لشعبه.
فقد تعرفت أثناء إقامتي في دولة الإمارات على أبناء الشيخ زايد الكرام وجلست مع الشيخ محمد بن زايد وإخوته جلسات متعددة نتحدث فيها عن هموم الأمة العربية. وكان الشيخ محمد بن زايد يطمئن الجالية الكويتية بأن تحرير الكويت قادم وكان يطلعني على الخطوات العسكرية التي يقوم بها صدام حسين في الكويت إبان الاحتلال. لقد ساهمت دولة الإمارات وأشقاؤها في الخليج والأمة العربية ودول التحالف في تحرير الكويت، ولا يمكن لأهل الكويت أن ينسوا فضل وكرم الشيخ زايد عليهم.
لقد فقدت دولة الإمارات والعرب قائداً حكيماً مميزاً لعب دوراً بارزاً في لمّ كلمة العرب وتوحيد مواقفهم. والفقيد كان يسعى دائماً لحل خلافات العرب سلمياً وكانت آخر محاولة له قبل مرضه هي محاولة إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بالتنازل عن السلطة لإبعاد ويلات الحرب عن العراق وشعبه، لكن الغطرسة وقصر النظر أديا إلى الكارثة التي حلت بالعراق ولا يزال العراق حتى الآن يعاني من ويلات الحرب وتداعياتها.
رحم الله الشيخ زايد، وعزاؤنا لأبنائه البررة وشعب الإمارات العربية الشقيقة والأمة العربية. نحن متأكدون بأن مسيرة الشيخ زايد ستبقى لأن أبناءه تأهلوا وتدربوا على يده... فهم سيكونون خير خلف لخير سلف.