هيلاري كلينتون.. المرشحة المنتظرة!
من المؤكد فيما يبدو أن هيلاري رودهام كلينتون تريد خوض السباق على الرئاسة الأميركية. فقد قالت أمام حشد من الناس الأسبوع الماضي: «إذا أراد المرء أن يفعل شيئاً ما حقاً، وإذا كان يعتقد أنه الشخص المناسب للقيام به، وإذا كان يعتقد أن هذا قد يحدث فارقاً، فإنه يتعين عليه أن يكون مستعداً للمنافسة والنزول إلى الحلبة». وأضافت أن عمر النساء اللائي هن في العقد السابع من العمر لا يحول دون أن يصبحن شخصيات مؤثرة، بل على العكس، أن النساء في هذا العمر «يرغبن في الانطلاق لأنهن يشعرن بأنهن قد أدَّين ما عليهن من أمانة، فأولادهن يعتمدون على أنفسهم، وقد حان وقتهن كي يظهرن ما يستطعن عمله».
ويأمل كثير من الديمقراطيين في أن تمضي كلينتون قدماً فيما تقوله. وهي تتقدم بشكل كبير في استطلاعات الرأي المبكرة على نائب الرئيس «جو بايدن»، وهو أقرب منافسيها المحتملين في نيل ترشيح حزبها. وهناك أربع لجان عمل سياسية على الأقل تعمل بالفعل في صالحها، وتجمع المال وتستقطب المؤيدين. وإذا قررت في النهاية خوض السباق، وهو القرار الذي تقول إنها ستتخذه لاحقاً هذا العام، فإن حملتها ستكون مثل الضغط على زر تشغيل آلة جاهزة بالفعل. ولكن ماذا لو قررت كلينتون عدم خوض الانتخابات؟
لو حدث ذلك ستكون لدى حزبها مشكلة تتمثل في أنه يحتاج إلى العثور على مرشح آخر لا يضعف في عين الناخبين عند المقارنة بالمرشح الذي ترك السباق. وكلينتون تقول إنها لم تحسم أمرها، والناس الذين يعرفونها يصرون على أنها تقول الحقيقة. وفي هذا المقام قال مايك مكوري المسؤول الصحفي السابق لبيل كلينتون: «يمكنني أن أرى أسباباً قد تجعلها تتخلى عن خوض السباق». ولكن مكوري يقول ساخراً إنه يُعتبر من بين «الخمسة في المئة المتبقية» من الضالعين في السياسة في واشنطن الذين يعتقدون أن كلينتون لن تخوض السباق. وبطبيعة الحال لا يوجد فقر في المرشحين الديمقراطيين المحتملين الآخرين. فما زال «بايدن» البالغ من العمر 71 عاماً يحظى بشعبية وسط الديمقراطيين على رغم صورته السلبية باعتباره شخصاً غير لبق. وبدورها قالت السيناتورة إليزابيث وارين، عن ولاية ماساشوستس، إنها لن تخوض الانتخابات، ولكنها ملكت قلوب التقدميين بانتقاداتها اللاذعة لـ«وول ستريت». ويرجح أيضاً أن يعاد انتخاب حاكم ولاية نيويورك أندرو جاكومو في فوز قوي في واحدة من أكبر ولايات البلاد، بدعم من «وول ستريت». ولا ننسى كذلك تأكيد كل من مارتن أومالي حاكم ولاية مريلاند وبرايان شويتزر حاكم ولاية مونتانا أنهما قد يحاولان الترشيح أيضاً.
ولكن لا أحد من كل هؤلاء قد يحقق تقدماً كبيراً في التأثير على الناخبين، أو في الحصول على أموال من المانحين، طالما ظلت كلينتون تملأ فراغاً يوصف بأنه «المرشح المفترض». وفي هذا السياق قال روبرت تسيمرمان -أحد المانحين الديمقراطيين- لمجلة «وول ستريت» في الآونة الأخيرة إن هيلاري هي المرشح الأبرز بين الأسماء الأخرى. وهو ما يتفق معه مفكر ديمقراطي استراتيجي للحملات الانتخابية، صرّح مشترطاً عدم نشر اسمه: «من المستحيل تقريباً على الباقين أن يستقطبوا أموالاً ودعماً أو اهتماماً حقيقياً.. وكلما طال أمد فترة احتمال دخولها السباق كلما ظهروا أصغر، لأنها الشخص الوحيد الذي يلتفت إليه الناس». وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه محق. فهناك «أومالي» الذي يتحدث عن خوض الانتخابات على منصب الرئيس منذ أكثر من عام ولكن مسحاً جديداً توصل إلى أن معظم الديمقراطيين في ولاية «آيوا» لم يسمعوا به قط. وقد جمعت لجنة العمل السياسية الخاصة به نحو 700 ألف دولار وهو ما يعادل 12 في المئة فقط من المبلغ الذي جمعته حملة شكلها المتحمسون لكلينتون. ولذا نصح المفكر الاستراتيجي الديمقراطي سابق الذكر: «كلما أعلنت عن قرارها مبكراً كلما كان هذا أفضل وفي صالح الحزب.. فإذا لم تخض السباق سيحتاج المرشحون الآخرون بعض الوقت لبناء مكانتهم». ولكن اتخاذ قرار مبكر قد لا يكون أيضاً في مصلحة كلينتون الشخصية خاصة إذا كانت قد قررت بالفعل خوض غمار الانتخابات.
ويعتقد المفكر الاستراتيجي الديمقراطي أن «اللحظة التي تُقرر فيها خوض السباق فإن نبرة ومضمون التغطية الإعلامية لها ستتغير للأسوأ». فبدلاً من دورها الشفاف الحالي كوزيرة خارجية سابقة ومتحدثة ملهمة وجدّة تنتظر حفيداً فإن كلينتون كمرشحة سيتعين عليها الدفاع عن سجلها في المنصب وتوضيح مدى اختلافها عن أوباما. وقد يبدو من السابق لأوانه، وربما قد يكون من غير المنصف قليلاً أن نطلب من كلينتون أن تحسم أمرها في وقت مبكر كهذا. فعامان فترة طويلة في معمعة خوض السباق على منصب الرئيس، والوقت التقليدي لإعلان الترشيحات يكون في العام السابق على الانتخابات، وفي هذه الحالة هو عام 2015. ولكن عامين لم يعودا كافيين أيضاً، لأن المرشحين الناجحين أصبحوا يضعون أساس عملهم خلال فترة طويلة سابقة. ففي الوقت الذي أعلن فيه أوباما وكلينتون ترشيحهما لسباق 2008 في بداية عام 2007 كان لديهما بالفعل فريق من المحترفين وعشرات من المانحين.
وربما تكون الانتخابات الرئاسية لعام 2016، صعبة على الأرجح لأي مرشح ديمقراطي بمن فيهم كلينتون. فبعد ثماني سنوات من رئاسة الديمقراطي أوباما فقد يسعى الناخبون إلى اختيار مرشح الحزب الآخر. ومنذ الحرب العالمية الثانية لم يفز أي حزب بالبيت الأبيض لثلاث مرات متتالية إلا عندما خلف جورج بوش الأب ريجان عام 1988. ويرجح أن تكون كلينتون هي الأقوى القادرة على كسر هذه القاعدة. فهي تحظى بشعبية وسط الديمقراطيين والمستقلين، وخاضت السباق على المنصب من قبل. ولكن يتعين عليها أن تحسم أمرها أولاً، فإذا كانت قد قررت بالفعل خوض الانتخابات، فلن تخسر كثيراً إذا أجلت الإعلان حتى نهاية العام الجاري، ولكنها قد تختار ألا تخوض الانتخابات وعليها حينئذ أن تعلن هذا القرار بسرعة من أجل مصلحة حزبها. وإلا فسيذكرها التاريخ باعتبارها المرشح المنتظر الذي ساهم في الحاق الهزيمة بحزبه في معركة صعبة عام 2016.
دويل مكمانوس
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»