تشهد عدة دول في العالم إجراء انتخابات مهمة، فيما تستعد دول أخرى لتنظيم انتخاباتها خلال الأسابيع المقبلة. ويمكن أن تكون لهذه «الفورة الديمقراطية» تداعيات مهمة على الأمن العالمي خلال السنوات المقبلة. فقد قطعت الهند، التي تعدّ أضخم ديمقراطية في العالم من حيث عدد الناخبين، نصف الطريق لاستكمال انتخاباتها البرلمانية التي تتواصل لستة أسابيع كاملة (من 7 أبريل الماضي حتى 12 مايو المقبل) وتشارك فيها جميع الأحزاب والكتل السياسية وتشهد إقبالا كبيراً من كل الشرائح الاجتماعية للشعب الهندي. وإذا ما تميزت هذه الانتخابات بالشفافية والمصداقية، فمن المرجح أن يفوز الحزب الهندوسي القومي «بهاراتيا جاناتا» بعدد كبير من مقاعد البرلمان وبما يجعله قادراً على تشكيل أغلبية برلمانية حاكمة بالتحالف مع بعض الأحزاب الأخرى. وهو يحتاج للفوز بـ272 مقعداً لضمان الأغلبية. ويحاول رئيس الحزب «ناريندا مودي» تبييض صورته التي تشوّهت بسبب العنف الذي مارسه حزبه الهندوسي المتطرف ضد المسلمين، وخاصة خلال أحداث عام 2012. وقد تزايدت شعبية مودي إلى حد ما بسبب وعوده المتكررة بضخ المزيد من الطاقة والعنفوان في الاقتصاد الهندي المترنّح، وإصراره على إجراء تحول جذري في المناخ الاستثماري من أجل اجتذاب أكبر عدد من المستثمرين الأجانب. وتحتاج الهند الآن وبشكل عاجل لإنشاء البنى التحتية، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف ما لم يُعد النظر في قوانينها المحلية المغرقة في بيروقراطيتها، وبحيث تصبح أكثر تسامحاً وليونة مع المستثمرين الأجانب. فكيف يمكن لفوز «مودي» أن يؤثر على السياسة الخارجية؟ هذا سؤال محيّر تصعب الإجابة عليه. ولو استعدنا في ذاكرتنا التاريخ الحديث لأطروحات حزب «بهاراتيا جاناتا» لوجدنا أنه يسعى إلى زيادة الميزانيات الدفاعية واعتبار الصين وباكستان دولتين تشكلان المصدر الأساسي لتهديد الهند. وهذا يعني أن المزيد من الأموال سوف توظّف لتطوير برنامج التسلح النووي الهندي والذي فقد القدرة على مسايرة التطور المقابل في القوة النووية الباكستانية، فما بالك بالصينية؟ وفي أفغانستان المجاورة، اكتملت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي ستنتقل فيها السلطة للمرة الأولى في تاريخ البلاد إلى رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية، وتميزت بتغير حاسم في التوجهات الديمقراطية للناخب الأفغاني رغم تهديدات حركة «طالبان» المتطرفة بإجهاضها ورغم العنف الأعمى الذي رافق مجريات الاقتراع. ومن الأخبار السعيدة بالنسبة للمنطقة برمتها، أن المرشحين اللذين يحتلان مقدمة الصف، وهما وزير الخارجية السابق عبدالله عبدالله، ووزير المالية السابق أشرف غاني، وُصفا بالاعتدال وبديا شبيهين بالساسة الغربيين. وبما أن أياً منهما لم يحصل على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، فسوف يتم تنظيم جولة إعادة خلال الأسابيع المقبلة. ومن المتوقع أن يعمد أي من المرشحين لو فاز في انتخابات الجولة الحاسمة، إلى تمتين العلاقة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة بأكثر مما استطاع الرئيس المنتهية ولايته حامد كرزاي. وأعلن المرشحان بشكل منفصل أنهما سيسعيان إلى تجديد اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. كما أعربا عن دعمهما لحقوق النساء، وخاصة منها ما يتعلق بتعليم البنات صغيرات السن. والآن تجري الانتخابات في العراق على قدم وساق من أجل اختيار برلمان جديد على إيقاع حرب أهلية جديدة تعم البلاد بعد انتفاض القوى والمرجعيات السنّية على الجيش العراقي الضعيف الذي خضع للتدريب من طرف القوات الأميركية. ووفقاً لبعض الحسابات الميدانية، يمكن القول إن العنف الذي يشهده العراق حالياً ربما يكون أسوأ من ذلك الذي شهده في عام 2007 والذي استدعى في حينه تدخلاً مباشراً من الولايات المتحدة لوضع حد له. وحتى لو قُدّر لهذه الانتخابات أن تكتمل مع درجة مقبولة من العنف، فإننا نعرف من خلال خبراتنا السابقة أن الأمر سوف يتطلب بضعة أشهر حتى يتمكن البرلمان العراقي الجديد من تشكيل حكومة واختيار رئيس وزراء جديد. وكلما طالت مدة تشكيل الحكومة الجديدة، زاد احتمال انتشار لهيب الحرب الأهلية أكثر وأكثر، واختفى الأمل في تطبيق الإصلاحات التي تم الوعد بها خلال العام الماضي، وخاصة ما يتعلق منها بزيادة الصادرات النفطية وتحسين العلاقة بين سلطة إقليم كردستان وبغداد. وأي تهديد من شأنه تعطيل إنتاج البترول العراقي، سوف يشكل تهديداً مباشراً للاقتصاد العالمي، وسيؤدي إلى زيادة جديدة في الأسعار العالمية للبترول. وفي أوروبا، سوف تدخل الأزمة الأوكرانية مرحلة الاختبار الحقيقي عندما تشرع الحكومة الأوكرانية الجديدة بتنظيم الانتخابات البرلمانية في 25 مايو المقبل. وقد تعهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتأمين المساعدات المالية والدعم السياسي لضمان سير الانتخابات بطريقة عادلة وحرة. وهناك تخوّف كبير من أن تلجأ روسيا إلى تجنيد وكالاتها الاستخباراتية للتشويش على العملية الانتخابية وعدم الاعتراف بنتائجها. ورغم أن القيادة الأوكرانية أجرت مباحثات مع روسيا للتوصل إلى حلّ مرضٍ فيما يتعلق بمنح سلطات محلية أوسع للمناطق الشرقية التي تضم أغلبية من السكان الروس، إلا أن المراقبين والمحللين يشككون بأن تكون نتائج تلك المحادثات كافية لإقناع الروس بالتعاون وعدم التدخل في تلك الانتخابات. ويتخوف الزعماء الروس بدورهم من أن تؤدي الشرعية المتزايدة التي ستكتسبها الحكومة الأوكرانية الجديدة بسبب هذه الانتخابات الحرة، إلى تزايد ميلها للتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وهو موقف يرفضه دعاة النزعة القومية المتطرفة من الروس وعلى رأسهم فلاديمير بوتين نفسه. ويرى هؤلاء أن مثل هذا الإجراء مرفوض جملة وتفصيلا. وهناك انتخابات أخرى مقررة في كل من تركيا وجنوب أفريقيا. وتدور الآلة السياسية في الولايات المتحدة هذه الأيام بأقصى طاقتها استعداداً لانتخابات الكونجرس النصفية المقررة في شهر نوفمبر، والتي تحمل في ثناياها احتمالا قوياً بأن تفقد إدارة أوباما أغلبيتها في مجلس الشيوخ، لتتخلى بذلك للجمهوريين عن حق النقض «الفيتو» الذي سيحملون معه مفاتيح تعطيل كافة المشاريع الإصلاحية التي طلع بها أوباما، مثل قانون الهجرة المُعدّل، وبما يجعل من العسير بالنسبة له الحصول على الموافقة للتوصل إلى اتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووي.