المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد كان ظاهرة سياسية تاريخية بما حققه من إنجازات تنموية اخترقت سقف التوقعات، وفاقت التصورات، وكان - رحمه الله- أيضاً ظاهرة سياسية تاريخية بحكم مقدرته الفائقة التي أثبتها في بناء "دولة نموذج" باتت مثالا يحتذى لدى خبراء السياسة، بحكم ما تمتلكه تجربتنا الاتحادية من مقومات الاستمرارية والفاعلية وتجاوز الإشكاليات التقليدية التي أحاطت بهكذا تجارب لا سيما في عالمنا العربي، وهي إشكاليات تسببت في "تحلل" معظم التجارب الوحدوية منذ نهاية الحقبة الاستعمارية. وزايد - رحمه الله- كان أيضاً "ظاهرة سياسية تاريخية" فريدة بحكم نجاحه الفائق في جعل الإمارات "دولة توافق" لا يختلف اثنان من الخبراء على رصانة دبلوماسيتها وتميز مواقفها السياسية. هذا الحديث عن "ظاهرة زايد" في عالم السياسة يجد صدى واقعياً له في تفاعل العالم أجمع مع وفاة الوالد العظيم - رحمه الله - فهذا الحشد من الملوك والرؤساء والقادة خلال مراسم تشييع الجنازة وتقديم العزاء، غير مسبوق في حدث عربي مماثل... ما يؤكد كم كان زايد - رحمه الله - زعيماً مقرباً من قادة دول العالم كافة، فقد كان "حكيما" عندما تتطلب الأمور الحكمة والرشادة السياسية، وكان والدا لا يبخل بالنصيحة والتوجيه إلى من يحتاج، وكان رجل دولة ذا شخصية "كاريزمية" تمتلك المقدرة الفائقة على توجيه الأمور نحو وجهتها الصحيحة.
وقلَّ أن تجد رئيس دولة يحظى باحترام وتقدير عالميين مثلما بدا من ردود فعل إقليمية ودولية تجاوزت الطقوس البروتوكولية المعتادة في مواقف كهذه ولامست القلوب تعاطفاً مع شعب الإمارات وتقديرا لشخصية قائد تاريخي فذ فقدت الإمارات والعالم أجمع حكمته ونور بصيرته.
أما الشعوب الخليجية والعربية، فحدث ولا حرج ويكفي أن نطالع ردود الفعل الواردة على شبكة "الانترنت" للتعرف إلى ما تكنه هذه الشعوب لزايد - رحمه الله - من حب وود، ويكفي على ذلك شاهداً هذا الإجماع الفريد والتعاطف الشعبي التلقائي الجارف والموقف الذي لا خلاف عليه تجاه فقيد الإمارات والأمتين العربية والإسلامية. وكل ذلك يجعلنا نؤكد أن زايد - رحمه الله- كان "ظاهرة سياسية تاريخية" متفردة تستحق من الباحثين والمتخصصين الغوص في سيرة الوالد العظيم - رحمه الله- وفلسفته في الحكم للتعرف إلى جوانب هذه الظاهرة الاستثنائية، وأوجه تفردها كي نوفر للأجيال المقبلة مشعلا علميا موثقا ينير طريقهم، مثلما كان زايد - رحمه الله - يزرع الأمل ويمد يد العون للمحتاجين في مشارق الأرض ومغاربها.