ملامح الصحافة الفرنسية
بين التصعيد في الأزمة الأوكرانية.. ووهَن سياسة أوباما الخارجية
مخاوف من عودة بعض الشباب الأوروبيين المتطرفين إلى بلادهم بعد مشاركتهم في الصراع السوري، واستمرار تصاعد النزاع في الشرق الأوكراني، وأعراض وهن سياسة أوباما الخارجية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
هاجس «العائدين»
? في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون تحدث الكاتب فرانسوا سرجان عن هواجس عودة المتشددين من الشباب الأوروبيين الذين تتحدث وسائل الإعلام الآن على نطاق واسع في القارة العجوز عن مشاركتهم في الصراع الدائر في سوريا إلى جانب بعض الجماعات المتشددة. وفي مستهل الافتتاحية التي جاءت تحت عنوان «استجابة» قال الكاتب: «إن خوض الحرب، والحرب المقدسة، من طرف شباب فرنسيين، وبريطانيين، وألمان، ليس أمراً بسيطاً: مثلما يعترف بذلك في مقابلة هنا، (في ليبراسيون)، القاضي تريفيديك، الذي يقول: إن شريحة من شبابنا تأثرت بالإسلام الراديكالي. وهي تنخرط في القتال في سوريا، في صفوف بعض أكثر الجماعات تعصباً، وترسيخاً لفهم منحرف للدين». ويذهب الكاتب إلى أن كل الدول الغربية تقريباً تواجه اليوم هواجس هذه الظاهرة المثيرة للقلق، حتى لو كان علينا الاعتراف أيضاً بنسبية الأعداد، فيما يتعلق بحجم المستكتبين في صفوف تلك الحركات المتشددة.
ولكن في كل الأحوال ثمة ما يدعو للشعور بالقلق والخطر في حال عودة أولئك الشباب المتشددين إلى بلدانهم الأصلية في القارة العجوز. وفي الذاكرة الأوروبية، والفرنسية تحديداً، حالات سابقة غير مريحة، كحالة المتشدد محمد مرّاح (قتل في 2012)، الذي تدرب في معسكرات «الجهاديين» المتطرفين الباكستانيين، وعند العودة تمكن من التسرب من عُقد شبكة أجهزة الاستخبارات والشرطة، وهو ما جعل فرنسا بصفة خاصة حذرة، في مثل هذه المواقف.
وعلى العموم تقف الدول الغربية الآن في مواجهة التحدي الذي تفرضه ظاهرة المتشددين المنخرطين في صراعات خارجية وهو ما يجعلها تبحث عن سبل وقاية وحماية من أية تهديدات أمنية في مرحلة ما بعد عودتهم إلى أوطانهم. وفي هذا السياق تحاول فرنسا خاصة استباق وتحييد خطر أي إرهابيين جدد، قبل أن يدخلوا مرحلة تنفيذ أعمالهم، أو يتوجهوا إلى مناطق التواترات، ولهذا الغرض وضعت ترسانة قانونية كاملة، مررت بشكل خاص لاحتواء أية تهديدات من هذا القبيل. ولكن هذا النهج القابض أدرك هو أيضاً حدوده، ذلك أنه لا ينبغي التذرع بشرعية محاربة الإرهاب وجعل ذلك وسيلة لاستهداف أو التمييز ضد طائفة أو دين، والتخفف في ذلك من قيم وقوانين الجمهورية.
ثم إن بعض المنخرطين بصفة خاصة في الصراع السوري، يقولون إنهم يذهبون لمساعدة شعب يتعرض للمجازر، على يد ديكتاتور، جعل من القتل والتعذيب والاغتصاب أسلحة حرب. وكل هذا يجري في أمان من العقاب. في حين يقف المجتمع الدولي متفرجاً بشكل بالغ السلبية. وفي المجمل فإن الاستجابة الأنسب في مواجهة تحدي تسرب بعض الشباب الأوروبيين إلى الصراع السوري، ينبغي أن تكون استجابة سياسية، في النهاية، وليس فقط استجابة قانونية أو أمنية.
تصعيد في أوكرانيا
? نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان «في أوكرانيا، فلاديمير بوتين يلعب بورقة الفوضي»، قالت فيها إن عدة سيناريوهات كانت محتملة في أوكرانيا قبل قرابة شهرين عندما تم إسقاط نظام الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، إثر انتفاضة شعبية، حيث هرب إلى روسيا، ولكن أسوأ كل تلك السيناريوهات وأكثرها سوداوية هو ما يجري الآن في تلك الدولة. وقد جعل الرئيس الروسي عملية سلخ أراضٍ من أوكرانيا في حكم الأمر الواقع، حيث بدأ أولاً باقتطاع شبه جزيرة القرم وضمها إلى الأراضي الروسية. وبعد ذلك بدأت عملية تشجيع الانفصاليين الموالين لروسيا للاستيلاء على دوائر عامة ووضع اليد عملياً على مناطق في شرق أوكرانيا، حيث بدأوا يسيطرون على المدن والبلدات واحدة بعد الأخرى، في مختلف أنحاء المناطق التي تتركز فيها الأقلية الناطقة باللغة الروسية في شرق البلاد.
وقالت الصحيفة إن الحالة الأوكرانية تزداد سوءاً وتعقيداً وتصعيداً من يوم إلى آخر وقد أصبح الوضع سائلاً بشكل مقلق، وغير مرشح للاستقرار على حال، وثمة مخاوف من أن يتكرر هناك ما يشبه صراعات ما بعد تفكك يوغوسلافيا السابقة. وهذا الاضطراب المتفاقم والصراع العارم في مناطق مختلفة من البلاد يجعلان الحكومة المؤقتة في كييف تجد نفسها في حالة شلل، في وقت ينتظر منها فيه اجتراح وإطلاق إصلاحات بالغة الأهمية، وقد منحها صندوق النقد الدولي قرضاً بـ17 مليار دولار، في 30 من شهر أبريل المنصرم. ويزيد من دواعي الحذر والشعور بالخطر وجود 40 ألف جندي روسي محتشدين خلف الحدود، وجاهزين للتدخل في أية لحظة، وهو ما يمثل عامل ضغط آخر على سلطات كييف، وفي الوقت نفسه يجعل داعميها الغربيين في مواجهة منطق قوة، ما زالوا غير جاهزين حتى الآن للاستجابة لمتطلبات احتوائه. وهو ما يعني، استطراداً، أن الأزمة الأوكرانية، ما زالت مرشحة لمزيد من التعقيد والتصعيد.
إخفاقات أوباما
? ضمن تغطيات صحيفة لوفيغارو للأزمة الأوكرانية أفردت مساحة كبيرة للأخبار المتعلقة بالعملية التي تخوضها سلطات كييف ضد الجماعات الموالية لروسيا في شرق البلاد، مؤكدة أن ما يجري الآن مثير للقلق، بكل المقاييس، حيث تصعب قراءة مسار الأحداث، وطريقة تفاعل الكرملين معها، في حال جنحت المواجهة إلى مستوى أشد خطورة من العنف. وفي سياق متصل بردود الفعل الغربية الضعيفة تجاه تحديات الأزمة الأوكرانية ناقشت صحيفة لوموند في تحليل موسع ما اعتبرته أعراض الوهن في سياسة أوباما الخارجية، قائلة إن ثمة ما يشبه القصور وعدم الفاعلية لدى سيد البيت الأبيض في تحركاته على المسرح الدولي.
وفي الظروف الراهنة يبدو أداء أوباما في السياسة الخارجية على غير ما يرام في مختلف الملفات، فهو غير قادر على الدخول في معركة ليّ أذرع مع نظيره الروسي بوتين، وخاصة بعدما رفع هذا الأخير سقف مزاد التحدي في الأزمة الأوكرانية. كما لم يستطع أيضاً اتخاذ موقف مؤثر لوقف مأساوية التراجيديا السورية الجارية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وعجز أيضاً عن فرض إرادته، وإنفاذ كلمته، لحل صراع الشرق الأوسط، حيث يزداد الإسرائيليون عناداً، فيما يزداد الموقف الأميركي وهناً. وفي ليبيا يعجز الرئيس الأميركي أيضاً عن منع استمرار تفاقم العنف والتطرف. ولم يتمكن أيضاً من إشراك الأوروبيين في تحركاته هنا أو هناك. ولائحة أوجه ضعف ووهن سياسة أوباما الخارجية طويلة، تقول الصحيفة.
والراهن أن ثمة انطباعاً عاماً بأن ما انتهت إليه سياسة الرئيس الأميركي الخارجية محبط ومخيب للآمال، على كل حال، ولعله قد راح ضحية لأسلوبه الخطابي، حيث كانت خطاباته الكبرى عن أحوال العالم جذابة وواعدة، وهو كمثقف متمكّن، يحمل في كلامه روحاً إنسانية شمولية. ولكن المقولات الكبرى تواجه في العمل الدبلوماسي قدرة الواقع في راهنيته وتفاصيله وتعقيده على المقاومة والاستعصاء على التغيير.
وفي واشنطن لا يتردد المحافظون الجدد في اتهام أوباما بأنه قد قلص من هيبة وقوة أميركا في عيون خصومها. والحال أن طريقة تعامله مع موسكو بصفة خاصة ربما تنهض دليلاً على افتراق مثاليات سيد البيت الأبيض مع تعقيدات الواقع. فقد أطلق في اتجاه موسكو أكثر من بادرة حسن نية وسعى لإعادة ضبط العلاقة معها، وأكد أن الحلف الأطلسي «الناتو» لن يعمل على ضم أوكرانيا أو جورجيا، كما تخلى عن جانب من برنامج الدفاع الصاروخي الأميركي في أوروبا. وفي الواقع لم يقدم أيضاً دعماً مؤثراً للمعارضة السورية. وتوقف عن الرد عسكرياً بعد استخدام الأسلحة الكيماوية من طرف نظام دمشق حليف الروس. وهي الأسلحة التي اعتبرت «خطاً أحمر» كان قد أعلن عنه البيت الأبيض. وكل هذه البادرات والتراجعات المتواصلة، يقول المحافظون الجدد، جعلت الكرملين يستشعر من الرئيس الأميركي أعراض ضعف وخوَر إرادة.
وفي الأخير قالت الصحيفة إن خلفية أوباما، كأستاذ قانون، وكصاحب موقف سلبي من حربي العراق وأفغانستان، تجعله يفضل أسلوب الحوار والدبلوماسية في كل شيء، ويتبنى سياسة اليد المبسوطة للشركاء والخصوم على حد سواء بحثاً عن حلول متفاوض عليها، وتسويات سلمية ودبلوماسية لأكثر الأزمات الدولية تعقيداً واستعصاء على الحل. هذا في حين أن خلفية بوتين، كضابط سابق في «الكي جي بي»، وكرجل ما زال يحنّ إلى أيام العهد السوفييتي، تجعله هو أيضاً غير مقتنع إلا بمنطق موازين القوى، ولذلك فقد فهم من تردد واشنطن ومواقفها غير الحازمة، أنها تعطيه إشارة الضوء الأخضر لفعل ما يشاء في شبه جزيرة القرم.
إعداد: حسن ولد المختار