الانتخابات الهندية.. ما الجديد؟
تقترب الانتخابات الهندية من شوطها الأخير مع تبقي جولتين فقط من الاقتراع الطويل الذي انطلق في الشهر الماضي وما زال متواصلاً حتى الآن، لكن هذه الانتخابات الهائلة التي تعرفها الهند لاختيار رئيس حكومتها شهدت بروز اتجاهات جديدة غير مسبوقة في الانتخابات الهندية مثل الهجمات اللفظية اللاذعة للمرشحين على بعضهم البعض، والانصراف إلى الأشخاص بدل الاهتمام بالقضايا الأساسية والبرامج السياسية التي يحملها كل مرشح. فقد كانت إحدى أبرز ملامح الانتخابات الهندية في الأعوام السابقة ابتعادها عن آفة التشخيص التي دخلت السياسة الهندية من أبوابها الواسعة في الاقتراع الحالي، وبات النبش في الحياة الشخصية للمرشحين هواية يتبعها الجميع لاستثارة الناس من جهة وتلطيخ صورة المنافس من جهة أخرى.
وهكذا انطلقت الهجمات من حزب «باهاراتيا جاناتا» الذي كثف جهوده للتشهير برجل الأعمال، روبرت فادرا، باعتباره صهر رئيسة حزب المؤتمر، «سونيا غاندي»، بهدف إحراج عائلة نهرو- غاندي وإظهار ارتباطها بالمال، لكن الهجوم لم يمر دون رد من حزب «المؤتمر» الذي انبرى نائب رئيسته، راؤول غاندي، لانتقاد الحزب المعارض والإشارة خصوصاً إلى مرشحه الأول، «نارندرا مودي» باعتباره رجلاً لا يحترم النساء، ولا يعترف بحقوقهن، مسلطاً الضوء على طليقته، وكان «مودي» قد سلم لأول مرة للسلطات الانتخابية في الهند إفادة رسمية بأنه كان متزوجاً بمدرسة لينفصل عنها بعد ثلاث سنوات من الحياة الزوجية، وهي الحقيقة التي لم يضطر في السابق للإشارة إليها، ما يدل على احتدام الصراع ودخول العامل الشخصي في المنافسة.
ولم يسلم من هذا الهجوم حتى رجال الأعمال المرتبطين بالسياسيين، حيث اتُهم الملياردير، «غوتام أداني»، المقرب من السيد مودي، بأنه وراء تمويل حملته الانتخابية وأنه فتح صنبور موارده المالية أمامه مقابل السماح له بالحصول على صفقات عقارية بأثمنة زهيدة، كما أن الحزب الجديد، «عام آدمي»، بقيادة رئيسه «أرفيند كيجري فال»، انضم إلى الصراع الشخصي متهماً، «مودي» بأنه تحول إلى «تاجر للعقار» وليس سياسياً يقود البلاد. والحقيقة أن مثل هذا الخطاب السياسي، الذي يطغى على الانتخابات الحالية لم تعرفه الهند من قبل.
ولعل ما يزيد من حدة الصراع مؤشرات استطلاعات الرأي التي تتنبأ بهزيمة منكرة لحزب «المؤتمر» الحاكم لعدة أسباب مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وسلسلة الفضائح المالية التي طاردت بعض رموز الحزب وهزت مصداقيته في أنظار الرأي العام، وكل ذلك يصب في مصلحة، «نارندرا مودي»، الذي تتوقع استطلاعات الرأي فوزه حتى في ظل استمرار عملية الاقتراع في ولايات هندية عديدة، بحيث لن تظهر النتائج إلا في 16 مايو الجاري.
لكن وفيما عدا شخصنة الصراع الانتخابي والنبش في الحياة الخاصة للمرشحين، تميزت الانتخابات الهندية الحالية بالابتعاد عن البرامج والتركيز على الفرد المرشح، إذ يبدو أن القضايا الأساسية التي تهم عموم الشعب وُضعت على الموقد الخلفي، فيما انصرف المهتمون والإعلام للحديث عن «مودي» و«راؤول»، ففي الإعلانات التلفزيونية يظهر «مودي»، وهو يحدق في الكاميرات، متعهداً بإحداث التغيير وتحسين أوضاع الهنود في محاولة لإثبات قدرته وخلق انطباع بالثقة، وانقسم المتدخلون في وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية بين مدافع عن مودي ومنتقد له، ولم تتأخر الشخصيات المشهورة في عالم السينما والاستعراض في الانخراط بدعم أحد المرشحين وانتقاد الآخر.
وفي القلب من هذا الصراع يبرز مرشح حزب المعارضة، «نارندرا مودي»، الذي يحظى بقدر متساوٍ من الشعبية، كما الهجوم. فالليبراليون يتهمونه بالإهمال والتقاعس عن وقف أعمال العنف الطائفي، التي اجتاحت مناطق هندية، وأدت إلى مقتل أكثر من ألفي مسلم، ناهيك عن خطابه المتشدد أحياناً الذي يسعى من خلاله إلى استمالة الهندوس، لكن في المقابل يرى البعض أنه رجل إنجاز حقق الكثير لولاية «غوجارات»، التي كان يرأسها ويمكنه تعميم النجاح في عموم الهند.
ويعتقد العديد من المراقبين أن حزب «باهاراتيا جاناتا»، المعارض نجح في تحويل الانتخابات الراهنة إلى ما يشبه السباق الانتخابي الأميركي، الذي يتواجه فيه المرشحون في صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيون مع التركيز على شخصية كل مرشح، في حين يرى البعض أن «مودي»، هو الرجل المناسب لقيادة الهند في مرحلة تشهد فيها تباطؤاً اقتصادياً وارتفاعاً كبيراً في معدل التضخم على أمل أن يستنسخ نجاحه في ولاية «غوجارات»، غير أن البعض الآخر يحذر من أن «مودي» يمثل اليمين الهندوسي القومي، الذي قد يهدد بسياساته الانقسامية تلاحم المكونات الهندية ويزرع بذور الفتنة والشقاق، مدللين على ذلك بقرار لجنة الانتخابات الهندية منع مساعده، «أميت شاه»، من المشاركة في التجمعات الانتخابية بعدما ألقى خطاباً حرض فيه الهندوس على «الانتقام» من سقوط قتلى منهم في مواجهات شهدتها مدينة «مظفر ناغار» بولاية «أوتار باراديش»، لتعود اللجنة لاحقاً لرفع الحظر بعد أن اعتذر علناً.
والأكثر من ذلك شهدت الانتخابات الجارية سبقاً آخر تمثل في تقديم الأحزاب لمرشحين في مناطق معروف ولاؤها لزعماء الأحزاب التقليدية.
فعلى سبيل المثال رشح «باهاراتيا جاناتا»، لأول مرة في التاريخ مرشحاً ينافس، «سيمرتي إيراني»، في المعقل التقليدي والتاريخي لعائلة غاندي، وهو الأمر الذي لم يجرؤ «باهاراتيا جاناتا»، قط على القيام به احتراماً لمقعد عائلة «غاندي» في البرلمان، وهو ما يضفي على الانتخابات الهندية، لهذه السنة طابعاً خاصاً يجعلها تكسر في العديد من جوانبها ثوابت ظلت راسخة لفترة طويلة في الحياة السياسية الهندية، وتؤسس لسوابق لم يعهدها الهنود من قبل.