الصحافة الدولية
فوز «بهاراتيا جناتا» يقلق مسلمي الهند.. وروسيا تربح تكتيكياً وتفشل استراتيجياً
هل يخشى مسلمو الهند فوز «ناريندرا مودي» رئيس حزب «بهاراتيا جناتا» في الانتخابات البرلمانية الهندية؟ وكيف تقع الولايات المتحدة في تناقض بإصرارها على معايير أفضل للعمالة في اتفاقية «الشراكة عبر الهادئ»؟ وهل يسير بوتين على نهج الحقبة السوفييتية في الفشل الاستراتيجي والنجاحات التكتيكية؟ تساؤلات جوهرية نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية.
لماذا يخشون «مودي»
في مقاله المنشور بـ«تورونتو ستار» الكندية، أول أمس، وتحت عنوان «احتمال فوز المرشح القومي الهندوسي يخيف المسلمين والعلمانيين»، سلّط «هارون صديقي» الضوء على المشهد الانتخابي في الهند، الذي بدأ يوم 7 أبريل وانتهى يوم أمس 12 مايو. الكاتب لفت الانتباه إلى أن الهند العلمانية لديها أقلية مسلمة يبلغ عددها 175 مليون نسمة، أي نفس عدد سكان باكستان، فالهند تحل في المرتبة الثانية بعد إندونيسيا -البالغ عدد مسلميها 238 مليون نسمة- من حيث عدد المسلمين. واللافت أيضاً أن رئيس الوزراء الهندي الحالي «مانموهان سنج» المنتمي إلى أقلية «السيخ» يفتخر بأن تنظيم «القاعدة» فشل في الانتشار بين مسلمي بلاده. صحيح أن بعض المسلمين دبروا تفجيرات هنا وهناك لكن عدد التفجيرات التي نفذها مسلمون أقل من تفجيرات مماثلة قام بها هندوس أو أتباع ديانات أخرى. ولقي المهاتما غاندي مصرعه عام 1948 على يد أحد الهندوس، الذي اعتبر أن غاندي كان لينا جداً في التعامل مع المسلمين. كما أن رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي تعرضت لإطلاق نار عام 1984 على يد حراسها الشخصيين، لأنها أرسلت قوات حكومية إلى "المعبد الذهبي" كي تشتت تجمعات للمسلحين الهندوس حول المعبد. ويشير الكاتب إلى أن المسلمين شغلوا المقعد الرئاسي في الهند ثلاث مرات، ووزير الخارجية الهندي الحالي مسلم، وثلاثة من كبار الفنانين الهنود المتميزين في صناعة الأفلام السينمائية في بوليود مسلمون. ورغم ذلك كله، عانى المسلمون في الهند من تمييز اجتماعي وحكومي، وفي بعض الأحيان تشارك الشرطة في مجازر ضد المسلمين خاصة عند فض عمليات الشغب. وفي مدينة مومباي عاصمة الهند التجارية، يرفض الهندوس تأجير العقارات أو بيعها للمسلمين. وحسب الكاتب، في عام 2006، ترأس «راجندار ساشار»، كبير القضاة السابق في محكمة نيودلهي العليا، لجنة للبحث في قضايا التمييز، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن المسلمين مهمشون في القطاعين العام والخاص، ويحصلون على أقل المزايا في القطاع العام، وتمثيلهم في قطاع الخدمة المدنية هو الأقل، خاصة في أجهزة الشرطة والأمن، وهم الأقل حضوراً في الوظائف المصرفية وفي قطاع الخدمات المالية، وطرح المشاركون في اللجنة توصيات لتعديل هذا الوضع لكنها لم تنفذ. نتيجة الانتخابات الهندية سيتم الإعلان عنها يوم الجمعة المقبل، ومن المرجح أن يفوز حزب «بهاراتيا جناتا» القومي الهندوسي بعدد كبير من المقاعد، وزعيم الحزب «ناريندرا مودي» سيصبح رئيس الوزراء المقبل، علماً بأنه كان الوزير الأول في ولاية جوجارات التي شهدت عام 2002 أعمال شغب ضد المسلمين راح ضحيتها ألف مسلم، ولم يتخد «مودي» آنذاك الخطوات اللازمة لوقف العنف، رغم أنه كان مسؤولاً عن الشرطة والأمن. صحيح أن «مودي» أطلق تصريحات يطمئن فيها الأقليات، لكن لا يزال أنصاره وكوادر في حزبه يكنون كراهية للمسلمين. وضمن هذا الإطار، قال «برافين توجايدا» أحد كبار المسؤولين في «بهاراتيا جناتا» لمؤيديه بأن يطمئنوا بأن المسلمين لن يشتروا عقارات في مناطق الهندوس، وأحد كوادر الحزب ذاته صرح بأن «من لا يدعم مودي، يستطيع الذهاب إلى باكستان».
الشراكة عبر الهادئ
يوم الجمعة الماضي، وتحت عنوان «الشراكة عبر المحيط الهادئ اتفاق سيئ لأميركا»، كتبت «راشيل مارسدين» مقالاً في «كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية، استهله بالقول إن ثمة أخباراً جيدة مفادها أن إدارة أوباما تخطط لخلق وظائف جديدة، لكن الأخبار السيئة أن هذه الوظائف ستكون في آسيا. جولة أوباما الآسيوية الأخيرة جددت السجال حول الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، والتي تعد حجر الزاوية في «المحور الآسيوي»، الذي تطمح إليه إدارة أوباما. الكاتبة، وهي محللة استراتيجية مقيمة في باريس، ترى أن اتفاق الشراكة المثير للجدل من غير المحتمل إبرامه في القريب العاجل. الدول المنضوية في الاتفاق هي: الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ونيوزيلاندا وأستراليا وبروناي وتشيلي وسنغافورة وبيرو وفيتنام وماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية، وهناك مجموعة من الدول التي عبرت عن اهتمامها بهذه الشراكة كالصين والهند وإندونيسيا ولاوس وكولومبيا وبنجلاديش والفلبين، إضافة إلى جزيرة تايوان. وتتساءل الكاتبة: لماذا لا يتم إلغاء الحدود الآسيوية وتصبح القارة حوضاً عملاقاً للعمالة التي تعاني من الاستغلال، فهذا هو الانجاز الواضح من وراء الشراكة، لكن البيت الأبيض لم يقل ذلك، بل تروج الإدارة الأميركية لفكرة مفادها أن الشراكة عبر الهادئ ستسفر عن معايير أعلى في توظيف العمالة. أوباما أوضح أنه سيدعم فقط الاتفاقيات التجارية التي تحترم معايير التوظيف، والشراكة عبر الهادئ ستطرح أدوات جديدة للتصدي لعمالة الأطفال والتمييز الوظيفي، على أن يتم تطبيق هذه المعايير في اتفاقيات التجارة القائمة بين أميركا وكندا. الغريب -حسب الكاتبة- أن إدارة أوباما لا تستطيع تطبيق هذه المعايير داخل الولايات المتحدة، كما أن برامج العمال الأجانب، أو العمالة المؤقتة، في الولايات المتحدة وكندا وغيرهما من الدول النامية يؤسس لآلية قانونية لاستيراد العمالة واستغلالها في أسواق العمل المحلية. وترى الكاتبة، أنه إذا كان أوباما يساوره القلق حول خسارة الولايات المتحدة للوظائف، فعليه ألا يسعى لتوفيرها في آسيا، وبدلاً من ذلك يمكن تخفيف الضرائب وتقليص حجم القيود التي تجعل الولايات المتحدة أقل جاذبية للاستثمارات مقارنة ببعض دول العالم الثالث.
الفشل الاستراتيجي
تحت عنوان «بوتين والفشل الكبير في التخطيط الاستراتيجي»، كتب «إليكسي باير» أول من أمس، مقالاً في «ذي موسكو تايمز» الروسية، أشار خلاله إلى أنه خلال الحرب الباردة أرست واشنطن على المدى البعيد نظاماً دولياً سياسياً واقتصادياً مستقراً وظل قائماً إلى الآن، وفي غضون ذلك سعت موسكو إلى مزايا تكتيكية، بدلاً من تحقيق الهدف النهائي المتمثل في انتصار الشيوعية على الصعيد العالمي، وفق رؤية ماركس ولينين. صحيح أن السوفييت حققوا مكاسب في سبعينيات القرن الماضي، سواء في القرن الأفريقي والهند الصينية ونيكاراجوا وأفغانستان، وتشيلي والبرتغال، وكسبت الشيوعية زخماً في فرنسا وإيطاليا، لكن ثمة فشل استراتيجي، حيث لم تحقق الشيوعية النصر على الصعيد العالمي، بل انهار الاتحاد السوفييتي نفسه. الاستخبارات السوفييتية «كي. جي. بي» التي كانت معنية بالأمن، كانت الأكثر تعليماً مقارنة ببقية المؤسسات السوفييتية، و«يوري أندربوف» هو الذي ترأس الاستخبارات السوفييتية إبان حكم «ليونيد بريجنيف»، أدرك في وقت مبكر بأن بلاده خسرت الحرب الباردة، حيث كانت لديه قناعة بأن الانتصارات التكتيكية كانت غير مجدية، واستنفدت الموارد السوفييتية، ومن ثم بدأ في تطوير استراتيجية لإعادة تنظيم الاتحاد السوفييتي، لكنه لم ينجح، وحاول جورباتشوف ومن بعده روسيا في السنوات الأولى من انهيار الاتحاد السوفييتي إعادة تعريف المكانة الروسية في العالم الحديث. بوتين لديه جذور في الـ«كي. جي. بي»، لكن أفقه الاستراتيجي كان محدوداً، وهذا -حسب الكاتب- واضح في إدارته للبلاد، فهو نجح في تعزيز سلطته، وتفوق على خصومه، لكن كل استراتيجياته منيت بالفشل، والكلام عن «سلطة رأسية» مجرد مزحة، لأن موظفي الجهاز البيروقراطي في روسيا بدءاً من عسكري المرور إلى وزير الدفاع يقومون بمهام محدودة وتتكدس الأموال في جيوبهم. صحيح أن بوتين يطمح إلى جعل بلاده «قوة عظمى في مجال الطاقة»، لكن ليست لديه فكرة عن كيفية التحول إلى منتج نفط متأرجح، وفي الوقت نفسه قادر على التحكم في أسعار الخام، وبعد الأزمة المالية العالمية في 2008 تحدث بوتين عن تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الروسي، لكن خلال السنوات الخمس الأخيرة لا تزال روسيا أكثر اعتماداً على صادراتها من المواد الخام. ومع أنه قادر على إثراء نفسه وحاشيته، فإن جهوده الرامية لتأسيس إطار للنظام السياسي الروسي ولنقل السلطة لشخص آخر يخلفه، قد باءت بالفشل. ويرى الكاتب أن الرئيس الروسي ليس لديه رؤية واضحة لما يمكن فعله في القرم، أو كيف يضمن تفادي العقوبات الاقتصادية، ويبدو أنه لا توجد لديه خطة «ب»، أو أي مجال للتراجع. وكل الاستجابات تبدو ارتجالية. ويخلص الكاتب إلى استنتاج مفاده أن بوتين يعيد إحياء المنظور السوفييتي القائم على انتصارات تكتيكية في ظل فراغ استراتيجي تام. وإذا كان بمقدور «يوري أندربوف» مدير الـ«كي. جي. بي» السابق، مطالعة ما يجري في روسيا من قبره لأبدى أسفه على بوتين كون الأخير تجاهل دروس التفكير الاستراتيجي.
إعداد: طه حسيب