سجال «الجمهوريين» حول بنغازي
في السياسة الأميركية غالباً ما يفوز الحزب الذي لا يسيطر على البيت الأبيض في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، لكن عندما جاءت الانتخابات الأخيرة التف «الديمقراطيون» حول هيلاري كلينتون التي حاول «الجمهوريون» تحميلها مسؤولية هجوم بنغازي وفشلوا لأول مرة منذ عام 1934 في استرجاع الأغلبية في الكونجرس، ويبدو أن «الجمهوريين» مقبلون على تكرار الفشل مرة أخرى في 2014 باستحداثهم لجنة خاصة للتحقيق في مأساة بنغازي بليبيا التي راح ضحيتها السفير الأميركي ومعه ثلاثة أميركيين آخرين، وهي الحادثة التي يريد الحزب «الجمهوري» استغلالها سياسياً من ناحيتين، أولاً الهجوم على إدارة أوباما وتحميله المسؤولية الأخلاقية لأنه متواجد في المنصب، وثانياً استهداف هيلاري كلينتون مباشرة باعتبارها كانت وزيرة الخارجية وقت الهجوم وضرب حظوظها في الترشح للانتخابات المقبلة في 2016، ويبدو أن الاستراتيجية التي يعتمدها الحزب «الجمهوري» بمقاربته هذه ترمي إلى تنشيط القاعدة الاجتماعية والسياسية للحزب وتعبئتها وراء الحزب في الاستحقاقات المقبلة.
ويبرر قادة الحزب «الجمهوري» فتح تحقيق جديد بشأن ما جرى في بنغازي وكيف آلت الأمور إلى مقتل السفير الأميركي بأنهم يريدون فضح محاولات الإدارة في البداية التغطية على الحادث وحماية أوباما من خلال الادعاء بأن الهجوم لم يكن مقصوداً، ولا عملاً إرهابياً، بل فقط هو عمل تلقائي جاء كرد فعل على أحد الأفلام المعادية للإسلام.
ويريد «الجمهوريون» إثبات عجز الجيش في التدخل السريع لتأمين مقر البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي والسعي إلى إخفاء هذا الفشل، وهم يركزون في مسعاهم على رفض البيت الأبيض تسليم مذكرة صادرة عن مستشار الأمن القومي، «بن روديس»، في سبتمبر 2012، تتطرق إلى تفاصيل المأساة، لكن «تيري جودي» النائب «الجمهوري» عن ولاية كارولاينا الجنوبية، الذي لجأ إليه الحزب لرئاسة لجنة التحقيق في الموضوع أحرج «الجمهوريين» عندما قال بطريقة مسرحية إن التحقيق هو بمثابة «محاكمة». غير أنه لا بد من الاعتراف بأن الإدارة تسببت لنفسها في هذه المتاعب، فقد حاول البيت الأبيض فعلاً تحوير الحادثة لحماية الرئيس وإبعاد المسؤولية عن عاتقه، كما أن وثيقة مستشار الأمن القومي ما كان يجب إخفاؤها، ومع ذلك يبقى الدرس الحقيقي لهجوم بنغازي الذي يتعين على الجميع في الولايات المتحدة الانتباه إليه، لا يكمن في محاولات أطراف سياسية داخلية استغلاله لصالحها، بل في خطورة الوضع ببلدان تسقط فيها أنظمة ديكتاتورية مثلما شهدنا في العراق وأفغانستان وليبيا، وهو أمر لا يسعى «الجمهوريون» للخوض فيه لأنه سيدينهم قبل غيرهم.
والأكثر من ذلك أن موضوع الهجوم في بنغازي قُتل بحثاً ولا حاجة لإعادة فتحه من جديد، فقد عرفت التفاصيل وأذيعت مراراً وعقدت حوله العشرات من جلسات الاستماع في الكونجرس، ونشرت تقارير متعددة فاقت 25 ألف صفحة، كما أن لجنة ذات مصداقية، حملت المسؤولية لوزارة الخارجية «لفشلها الهيلكي» و«عجزها في الإدارة» ما نتج عنه تقصير في حماية المنشآت الأميركية، لكن اللجنة لم تقدم من الدلائل ما يفيد لإثبات كذب الإدارة، أو محاولاتها للتغطية، كما أراد «الجمهوريون».
ألبرت هانت
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»