الرحالة اليهود والعالم الإسلامي
أسعدني أن أترأس لجنة علمية لمناقشة رسالة للدكتوراه بعنوان «أحوال يهود فلسطين في كتابات الرحالة اليهود» أعدها الطالب محمد حسني وأشرفت عليها الأستاذة الدكتورة منى ناظم بجامعة عين شمس.
لقد تركزت الدراسة على المساحة الزمنية الواقعة بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر الميلاديين، أي في فترة الحكم الصليبي لفلسطين وفترة صلاح الدين الأيوبي وتحرير القدس وإقامة الدولة الأيوبية ثم الدولة المملوكية، وصولاً إلى مشارف الحكم العثماني. ومن أهم الجوانب التي تكشف عنها الرسالة شهادات الرحالة اليهود في تلك الفترة عن طبيعة الظروف التي كان يعيش فيها يهود العالم الإسلامي مقارنة بالظروف القاسية التي كانوا يلاقونها في دول أوروبا. لقد كانوا يعيشون بأعداد أكبر في الأقطار الإسلامية طبقاً للأعداد التقديرية التي استقاها الباحث من كتب الرحالة اليهود، وهو أمر في حد ذاته يقدم دلالة واضحة على طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية المتسامحة التي كانت سائدة في العالم الإسلامي، والتي جذبت مزيداً من الجماعات اليهودية للعيش في الأندلس والمغرب ومصر والعراق والشام واليمن.
لقد سبق أن أثبتت دراسات تاريخية عديدة طبيعة الظروف المتسامحة والأوضاع الدينية المريحة والأجواء الاجتماعية الطبيعية والازدهار الاقتصادي الذي عاش فيه يهود البلدان الإسلامية. غير أن أهمية هذه الرسالة العلمية تكمن في استخلاصها لشهادات الرحالة اليهود عن القرون الشاسعة بين ظروف حياة يهود دول العالم الإسلامي وحياة يهود أوروبا. إن الاكتشافات التي تقدمها هذه الرسالة في هذا الصدد لا تمثل فحسب ناتجاً علمياً متميزاً بل إنها قابلة للتوظيف السياسي من جانب السلطات الفلسطينية والنخبة الثقافية العربية لتعرية درجة القبح في الممارسات الإسرائيلية العنصرية ضد العرب مسلمين ومسيحيين. إن وصف الرحالة اليهود الذين تناولتهم الرسالة لانتشار المعابد اليهودية في الأقطار الإسلامية وازدهار حياتهم الدينية وكفالة الحكم الإسلامي لحرية الاعتقاد والممارسات الدينية هو وصف يجب أن يؤخذ عن هذه الرسالة بعد نشرها. في تقديري أن ترجمة بعض المقتطفات إلى اللغات الأوروبية مصحوبة بالشروح الموضحة والمقارنة بين أوضاع يهود العالم الإسلامي المتميزة ويهود أوروبا المتدنية من ناحية والمقارنة بين السماحة الإسلامية الدينية والانتهاكات للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية التي تقوم بها إسرائيل من ناحية ثانية، سيكون لها أثر هام.
نحن في حاجة إلى تقديم صورة مختلفة عن الإسلام تصحح التشويهات التي تلحقها به الدعاية الصهيونية التي تتحدث عن الاضطهاد الإسلامي لليهود.
أعتقد أن الرسائل العلمية التي تنتجها أقسام الدراسات العبرية بالجامعات المصرية قابلة لأوجه عديدة من التوظيف السياسي البنّاء لمن يهتم.