الانتخابات الأفغانية.. وتحديات المرحلة القادمة
تمر أفغانستان بمرحلة مهمة من تاريخها، حيث تشهد أول انتقال ديمقراطي للسلطة، غير أن هذا التغير السياسي يمر بعملية طويلة، خاصة مع عدم ظهور أي بوادر خلال الآونة الأخيرة لفوز مرشح بعينه في الانتخابات التي أجريت مؤخراً، حيث لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 بالمائة من الأصوات. ويحدو أفغانستان الأمل في أن يتم حسم هذه الحالة من عدم اليقين خلال جولة الإعادة المقرر إجراؤها في شهر يونيو بين المرشحيْن اللذين حصلا على أغلبية الأصوات، وهما وزير الخارجية السابق الدكتور عبدالله عبدالله، والخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي أشرف غاني.
ووفقاً للبيانات الأولية، حصل الدكتور عبدالله على ما يقرب من 45 بالمائة من أصوات الأفغان التي يبلغ عددها 6.9 مليون صوت،من الذين ذهبوا للاقتراع في هذه الانتخابات التاريخية، بينما حصل «أشرف غاني» على 31.5 بالمائة من الأصوات، فيما حصل المرشح زلماي رسول، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه المرشح المفضل لدى كرزاي، على 11.5 بالمائة من إجمالي الأصوات.
ومن المتوقع أن تؤدي جولة الإعادة التي ستجرى في السابع من شهر يونيو المقبل إلى تشكيل حكومة أفغانية جديدة، وتنصيب زعيم جديد يتولى مقاليد الحكم ويواجه تحديات كبيرة في هذه الدولة المستقطبة عرقياً. وهذا الرئيس الجديد لن يأتي فقط في وقت حاسم من تاريخ أفغانستان، حيث قررت القوات الغربية الانسحاب وترك المهمة الأمنية في أيدي قوات الأمن الأفغانية، لكنه سيتعين عليه أيضاً اتخاذ قرار بشأن اتفاقية ثنائية بين أفغانستان والولايات المتحدة للإبقاء على بعض القوات بداخل البلاد. ومن دون هذه الاتفاقية، فإن قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» ستنسحب من أفغانستان بحلول نهاية العام.
وهذا يعني أن الرئيس القادم أمامه مهمة صعبة تتمثل في تأمين قدر كاف من الأمن لبلاده لمنع زعزعة الاستقرار والعودة إلى ما كانت عليه في الماضي. وقد ترك الرئيس المنتهية ولايته حامد كرزاي، والذي لا يستطيع الترشح لولاية رئاسية ثالثة بموجب الدستور الأفغاني، قرار توقيع الاتفاقية الثنائية للرئيس الذي سيخلفه.
وقد كان الرئيس كرزاي، الذي ظل يحكم أفغانستان منذ سقوط «طالبان» عام 2001، يوماً ما مفضلاً لدى الغرب، ولكن في السنوات الأخيرة، اختلف كرزاي مع الغرب وواجه انتقادات حادة بسبب تفشي الفساد والمحسوبية من قبل الدوائر نفسها التي توقعت في وقت سابق أن يكون هو المنقذ لأفغانستان. واليوم، يواصل كرزاي انتقاده الشديد للغرب، ورفض توقيع الاتفاقية الأمنية، ليتركها بدلاً من ذلك للرئيس المقبل. ولذلك، تتجه كل الأنظار نحو زعيم أفغانستان الجديد.
ويعتبر الدكتور عبدالله عبدالله، وهو أحد المقربين من الزعيم الأسطوري «أحمد شاه مسعود»، زعيم «تحالف الشمال»، الذي اغتالته كوادر تنظيم «القاعدة» في عام 2001، سياسياً مخضرماً شغل سابقاً منصب وزير الخارجية، ولديه مهارات التفاوض مع الغرب، وفي الوقت نفسه يوازن مصالح بلاده مع الدول المجاورة. وهو أيضاً عضو بارز في «تحالف الشمال» المناهض لـ«طالبان»، وكان أيضاً ناقداً قوياً وصريحاً لحركة «طالبان» أثناء فترة توليها السلطة. ورغم أن الدكتور عبدالله كان حليفاً لكرزاي أثناء توليه رئاسة البلاد، فإنه اختلف معه في السنوات الأخيرة ووقف ضده في انتخابات 2009 لكنه لم ينضم إلى الاحتجاجات، التي حدثت بزعم تزوير الانتخابات. وكان الدكتور عبدالله أيضاً هدفاً للهجمات المسلحة التي وقعت أثناء الحملات الانتخابية.
ويسعى عبدالله إلى علاقات جيدة مع الهند، ولكنه من غير المرجح، حتى في حالة فوزه في الانتخابات الرئاسية، أن يتحيز للهند على حساب الإضرار بعلاقته مع باكستان. ومن المتوقع أن يحدث توازناً في علاقته بالدولتين. وعلى الرغم من الوضوح القليل فيما يتعلق باتجاهات الدكتور عبدالله، إلا أن المعروف عن منافسه السيد أشرف غاني أقل من ذلك، حيث ينظر إليه على أنه ظهر من العدم وأنه الفريق المستضعف. كما أنه من الأكاديميين المؤهلين بدرجة عالية، حيث قام بالتدريس لعدة سنوات بجامعتي «بيركلي» و«جونز هوبكنز» بالولايات المتحدة، لكنه تخلى عن جنسيته الأميركية لخوض الانتخابات الرئاسية في أفغانستان عام 2009.
وقد عمل أشرف غاني، الذي ينتمي لعرقية البشتون، مستشاراً للرئيس كرزاي إلى جانب كونه وزير ماليته. وكان أيضاً أحد المسؤولين التنفيذيين بالبنك الدولي في واشنطن، لكنه عاد إلى أفغانستان بعد شهور من وقوع هجمات 11 سبتمبر وانضم للعمل بالسياسة. ومن ناحية أخرى، فإنه ينظر بعين الاعتبار لخبرة «غاني» التي لا تقدر بثمن في المؤسسة الدولية والتي ستكون في متناول اليد عند توليه السلطة. ولكن في نهاية الأمر، فإن القليل هو المعروف والمتاح عن المرشحين الرئاسيين المقرر لأحدهما قيادة البلاد إلى الأمام.
ومن بين المهام الصعبة التي ستواجه الرئيس القادم هو كيفية التعامل مع حركة «طالبان»، وفي حين أن كلاً منهما أشار إلى رغبته في فتح حوار مع «طالبان»، فإنه من غير الواضح ما الشكل الذي سيأخذه هذا الحوار.
أياً كان ما سيحدث، فإن إجراء انتخابات ناجحة، هدفها التداول السلمي للسلطة، يعد نقطة تحول مهمة بالنسبة لأفغانستان. وفي الوقت نفسه، فإن أي سلطة، سواء كانت في كابول أو خارجها، لا تستطيع تهميش أو رفض «طالبان» التي تعتبر قوة لا يستهان بها في البلاد. ومن دون مشاركة جادة وذات مغزى مع حركة «طالبان»، لن تستطيع أفغانستان التي مزقتها الحرب أن تنعم بالاستقرار، بل ستستمر أعمال العنف والدمار.