كلما مرت ذكرى النكبة، زاد الجرح عمقاً وتوسعاً وألماً، وكلما كان الحزن والغضب أطغى، كانت الحقيقة تقول إنه لولا احتلال فلسطين لما كان حال العرب بكل هذا التردي. كل أزماتنا ومشاكلنا ومصائبنا سببها اغتصاب فلسطين، ليس أية مصيبة أخرى، فالذي فعله وعد بلفور أنه لم يمنح أرضاً لا يملكها لمن لا يستحقها فقط، بل إنه أعلن احتقاره لأمة بأسرها واستخفافه بغضبهم وحقوقهم ومنحها لمصالحه الدائرة آنذاك حول إسرائيلي مشتت كتب عليه بسبب كفره أن يشتت في الأرض. ولولا التشتت العربي آنذاك، ولولا نهب الثروات الذي مارسته بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وقبلها البرتغال وهولندا، ولحقت بهم الولايات المتحدة الأميركية، لما ضاعت فلسطين، ولما هُجّر أهلها ليكتب عليهم الشتات بدلاً من اليهود. وحين قال بلفور ذهب العرب بكل ضعفهم وقلة حيلتهم آنذاك، وباؤوا بهزيمة منكرة، لأن السلاح كان مستورداً من المستعمر، الذي وعد بإعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق. ولولا صمود الفلسطيني وجهاده ورفضه للوجود الصهيوني على أرضه لكان مصير فلسطين النسيان، لتكون كأي أرض تم احتلالها وتقسيمها وتوزيعها على المغتصب السارق. واليوم يجاهر اليهود بتدينهم، ورغم أنهم اخترعوا الجماعات الدينية المتطرفة ومارسوا كل أنواع التطرف والذبح ضد أبرياء وعزل فلسطين، لكن أحداً لم يطلق عليهم إرهابيين، إنما وجهوا تهمة الإرهاب للفلسطيني المقاوم والمنافح عن شرفه وعرض أرضه، وزعم أن تنظيم «القاعدة» مسيء للإسلام بسماحته وعظمته، إلا أن اليهود يفاخرون بجماعتهم المتطرفة، ويعتبرونها ذات دور وطني مهم في ترسيخ دعائم دولتهم، بل إن الإسرائيلي في انتخاباته وفوزه وتوليه لمنصبه يعلن دائماً أن أقواله مستوحاة من كتابهم المقدس، وأن دولتهم دولة دينية قامت لتخدم دينهم. وسعى الصهاينة بكل طرقهم وخبثهم لتوجيه التهم للإسلام وتعزيز كل الحركات، التي تناهض الفكر الديني المرتبط بالإسلام، ناهيك عن وجود إسرائيل في كل الخلافات العربية، فهي تعمل جاهدة على تعميق الفجوة بين العرب، وجعلهم يتوغلون في الأمية والجهل ويسيرون باتجاه تيار الحداثة المزعوم، الذي يدعو الجميع إلى العيش بسلام، ولسان حاله يقول: علينا نحن العرب أن نتناسى فلسطين، وننسى أن هناك دولة عربية تم اغتصابها وسرقة أراضيها جهاراً وأمام أعين العالم، دون أدنى شعور بالذنب لدى الآخر الذي باع ما لا يملك. ولم يعرف العرب أبداً تفعيل الورقة الفلسطينية في الساحة الدولية، فلم يدركوا أبداً أن هناك الكثير من المكاسب بالإمكان قنصها من هذه القضية التي بيعت بثمن بخس. قضية فلسطين باتت أشبه بمتلازمة الهم والألم والأسى العربي منذ أكثر من ستة عقود. وما زالت عقدة كل الأزمات التي نشهدها على الساحه العربية، التي تعد الأكثر سخونة على مستوى العالم. فطوبى للصامدين في وجه طغيان شرس، وهم لا يملكون إلا الحلم والإيمان بأن فلسطين أرض عربية كانت وستبقى.