محاذير التفاوض مع «بوكو حرام»
ظهرت عشرات من التلميذات النيجيريات المخطوفات في مقطع مصور نشر الأسبوع الماضي، وظهر فيه أيضاً أبو بكر شيكاو زعيم جماعة «بوكو حرام»، وقال إنه مستعد لإطلاق سراح التلميذات الرهائن مقابل الإفراج عن أعضاء معتقلين من جماعته.
ويحمل المقطع المصور أنباء سارة للعالم بأن الفتيات اللائي يزيد عددهن على 200 خطفتهن الجماعة النيجيرية المتشددة قبل شهر تقريباً ما زلن على قيد الحياة. ولكن عرض المقايضة يضع حكومة الرئيس «جودلاك جوناثان» أمام معضلة شائكة تتمثل في مدى القبول بالتفاوض مع تلك الجماعة الإرهابية. وقد يكون أفضل ما تنتهي إليه الأزمة هو أن تنجح قوات الحكومة المدعومة حالياً من طرف الولايات المتحدة ودول أخرى في إنقاذ الفتيات. ولكن عمليات الإنقاذ هذه لم تسجل في الماضي نجاحات كبيرة في استعادة الرهائن أحياء. وعلى سبيل المثال، حاول الجيش النيجيري مدعوماً بقوات من العمليات الخاصة البريطانية، في عام 2012، إنقاذ بريطاني وإيطالي كانا رهينتين لدى «بوكو حرام» فقتلهما الخاطفون قبل التمكن من إنقاذهما. وعملية إنقاذ التلميذات تنطوي على احتمالات واقعية للغاية بشأن عدم نجاة كل الرهائن. ولكن على الجانب الآخر، أُفرج أيضاً عن أسرة فرنسية مؤلفة من سبعة أفراد كانت الجماعة قد خطفتهم في الكاميرون عام 2013 دون أن ينالهم أذى بعد تقديم فدية بلغت ثلاثة ملايين دولار دفعتها أطراف لم يكشف عنها.
ولكن التفاوض مع الجماعة بعد ارتكاب جريمة بمثل هذا الحجم من شأنه أن يشكل سابقة سيئة، وقد يشجع على اقتراف المزيد من مثل هذه الجرائم في المستقبل. وبالنظر إلى الأمر من منظور سياسي تشاؤمي، يظهر التفاوض الحكومة في موقف ضعف في وقت تتعرض فيه بالفعل لانتقادات دولية ومحلية شديدة لفشلها في منع الخطف أصلاً. وموقف «أبوجا» الحالي يتمثل في استبعاد فكرة إجراء مفاوضات مع «بوكو حرام». وقد صرح روبن آباتي المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية بأن «الحكومة الاتحادية لن تشارك في أي شكل من أشكال بيع البشر». وقال «ديفيد مارك» رئيس مجلس الشيوخ النيجيري إن «الحكومة الاتحادية لن تتفاوض أبداً تحت أي ظروف مع إرهابيين من بينهم شيكاو». وتدأب الحكومات على استخدام عبارة «إننا لا نتفاوض مع إرهابيين» غالباً في الوقت الذي تتفاوض فيه بالفعل معهم.
ويجادل بعض الخبراء بأن قرار التفاوض مع إرهابيين يجب أن يُتخذ على أساس مدى معقولية الأهداف السياسية للجماعة. ولكن معقولية الأهداف هذه مسألة يصعب تحديدها، خاصة بالنسبة لجماعة مثل «بوكو حرام». وكلمة بوكو حرام نفسها تعني بلغة «الهوسا» السائدة في شمال نيجيريا «التعليم الأجنبي حرام». وزعماء الجماعة يزعمون أنهم يريدون فرض ما يعتبرونه الشريعة بحسب فهمهم الضيق على البلاد بكاملها، ويرفضون أفكاراً يعتبرونها «غربية» مثل كروية الأرض أو ارتباط المطر بالتبخر. وقد بدأت الجماعة التي تتخذ من حركة «طالبان» الأفغانية نموذجاً تحتذي به في نشاطها في نيجيريا عام 2003 تقريباً. ويتركز وجودها بشكل رئيسي تقليدياً في ولايات يوبي وكانو وبوتشي وبورنو وكادونا في شمال نيجيريا. ولكن على الرغم من أن الجماعة غير «عقلانية» في أهدافها، فإنها تكتسب زخماً وينضم لها أعضاء مغرر بهم، بسبب بعض المظالم الفعلية الواقعة على السكان في المناطق التي تنشط فيها.
وفي الواقع، فإن احتمالات تفاوض بعض الحكومات مع جماعات إرهابية أكبر بكثير مما قد تتحدث الحكومات عنه علناً. فقد حصلت جماعة «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وهي فرع شبكة الإرهاب العالمية في شمال أفريقيا على ملايين الدولارات للإفراج عن أجانب خطفتهم في السنوات القليلة الماضية. وسعت حكومات أفريقية وعربية إلى استصدار حظر دولي على دفع الفديات لكن في المدى القصير، تعتبر الكثير من الحكومات وخاصة في أوروبا، أن أرواح مواطنيها أمر يهون أمامه المال. ومن المحتمل أن تبحث الحكومة النيجيرية عن الخيارات الأقل سوءاً بين كل هذه الخيارات غير المريحة إلى حد كبير.
جوشوا كيتنج
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس