التحقيق الذي أجرته صحيفة «الاتحاد» في عددها الصادر يوم 17 مايو الجاري، واستطلعت خلاله آراء عدد من خريجي وخريجات الدفعة الثانية في جامعة خليفة، يسلط الضوء على ضرورة الاهتمام ببرامج الإرشاد الأكاديمي والمهني للطلاب منذ المراحل الدراسية الأولى، لتوجيههم بشكل سليم يوائم قدراتهم العلمية من ناحية، ومتطلبات سوق العمل واحتياجاته من ناحية ثانية. فقد أكد عدد من هؤلاء الخريجين ضرورة توجيه الطلبة منذ مرحلة دراسية مبكرة للالتحاق بتخصصات علمية ترتبط مباشرة بسوق العمل في إمارة أبوظبي والدولة بوجه عام، ودعوا طلبة «الثاني عشر» للالتحاق بالجامعة لمواصلة تعليمهم الجامعي، وتلبية متطلبات قطاع الأعمال في الدولة من التخصصات العلمية ذات العلاقة بالقطاعات الصناعية والتقنية المختلفة، خاصة صناعات الطيران وأشباه الموصلات والتقنيات الدقيقة والاتصالات. لا شك في أن الاهتمام ببرامج الإرشاد الأكاديمي والمهني بات يمثل ضرورة ملحة، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن كثيراً من المواطنين الذين يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل تناسب قدراتهم، يُرجعون ذلك إلى غياب التوجيه المهني لهم في فترة الدراسة، الأمر الذي أدى إلى عدم وجود تصورات واضحة أمامهم بشأن كثير من التخصصات أو المهن التي كان يمكنهم الانضمام إليها لو أُتيحت لهم برامج توجيه مناسبة في مراحل الدراسة الأولى، ولعل استمرار ظاهرة عزوف الطلاب عن التخصصات العلمية هو إحدى نتائج هذه المشكلة، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الطلاب الملتحقين بالقسم العلمي تبلغ 31,1% في مقابل 68,9%، للقسم الأدبي، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى كوادر علمية مؤهلة تنخرط في مجالات سوق العمل؛ ولهذا فإن التوجه، الذي أُعلن مؤخراً، الخاص بدراسة إلغاء نظام التشعيب بين الأدبي والعلمي، والتحول إلى نظام تعليمي يجمع بين المواد الإجبارية والاختيارية للطلاب يعتبر خطوة مهمة، ليس فقط لأنها تواكب البيئة المعرفية المتنامية التي يشهدها العالم والتطورات التكنولوجية المتلاحقة، وإنما لأنها تتيح للطلاب مجالاً أوسع للتخصص في المرحلة الجامعية. تجارب الدول المتقدمة تشير إلى أن السر وراء نجاح نهضتها الصناعية والتكنولوجية يرجع بالأساس إلى أنها تولي أهمية بالغة للتخصصات العلمية وتطويرها بشكل متواصل كي تخدم أهدافها الاقتصادية، لما لتلك العلوم من دور فاعل وحيوي في دفع عملية التنمية والتطور في مختلف مجالات الإنتاج، وهذا ما يدركه القائمون على العملية التعليمية في الدولة، فثمة قناعة بأهمية التخصصات العلمية باعتبارها المدخل نحو تحقيق سياسة التوطين، وبناء الاقتصاد المعرفي، ولكن المشكلة تكمن في وجود بعض العقبات التي تحول دون ترجمة هذا التوجه على أرض الواقع، بعضها يرتبط بوجود تصورات مسبقة لدى كثير من الطلاب بصعوبة التخصصات العلمية مقارنة بالتخصصات النظرية والأدبية، وبعضها الآخر يرتبط بغياب التوجيه الأسري للأبناء في اختيار التخصصات التي تناسب سوق العمل، ولهذا كله، فإن هناك ضرورة ملحة للاهتمام ببرامج الإرشاد الأكاديمي والمهني، والعمل على تطويرها خلال الفترة المقبلة ليس فقط من خلال تفعيل دور إدارات الإرشاد الطلابي لتقوم بمهامها في توجيه الطلاب نحو اختيار التخصصات العلمية، وتوفير معلومات مفصلة ودقيقة للتخصصات الجامعية التي تطلبها سوق العمل، وإنما أيضاً من خلال مشاركة مختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص، والأسرة والإعلام في إثراء الحوار حول هذه القضية الحيوية التي باتت ترتبط بمستقبل قضيتي التوطين والتنمية في الإمارات. ---- عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.