حينما فقدت الإمارات قائدها، شعرت بأن الأمتين العربية والإسلامية فقدتا أيضاً قائدهما. فلم يكن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان فقيد الإمارات العربية المتحدة فقط، وإنما كان فقيد الأمتين العربية والإسلامية. ذلك أنه لم ينس العراق إذ امتحنه نظام دكتاتوري ومجلس الأمن بعقوباته معاً. وتساءل حكيم العرب "كيف نسمح لأكثر من20 مليون عربي أن يموتوا أمام أعيننا ولا نحرك ساكناً".
وحتى يجنب العراق المآسي التي يعانيها حالياً من احتلال وفوضى وخشية لتقسيم قدم إلى صدام حسين نصيحة التخلي عن الحكم والذهاب إلى الخارج، ولكن الدكتاتور رفض هذه النصيحة، فكان ما كان مما حل ببلده ونظامه. وكان أن وصف الشيخ زايد بحكيم العرب. وهو الذي كان يوصف بـ "زايد الخير" لجميع مواطني دولته وللعرب والمسلمين جميعاً. وإذا كان مواطن الإمارات قد خسر بموت "زايد الخير" خيراً كثيراً فإن المواطن المسلم خسر فيه ذلك الرجل الذي هب لنصرة شعب كوسوفا حين اجتاحته بربرية التطهير العنصري فأسرع بقواته وأطبائه ضمن إطار الأمم المتحدة ليحمي ذلك الشعب ويغيثه.
لقد خسر المواطن العربي بفقدان الشيخ "زايد الخير" الذي اشترك بدولته ونفطه في مقاومة المستعمر الصهيوني في حرب 1973 بعد أن تأكد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من أن أهداف الحرب هي تحرير الأراضي المحتلة في عدوان 5/6/1967 فعوض سوريا عن كل ما خسرته في الغارات الإسرائيلية العدوانية. وتبرع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حين زار دمشق بكل ما خسرته سوريا من بنى تحتية. فكان موقفه القومي معبراً عن إرادة الشعوب العربية كلها، وبخاصة حين أصرّ على قطع النفط العربي، بما فيه نفط الإمارات العربية المتحدة، عن البلدان التي تساعد المحتل الصهيوني.
لقد تبرع المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لفلسطين وشعبها المقاوم، ودعم المشروعات الطبية والتعليمية والاجتماعية ومشروعات ترميم المباني المقدسية. وتعهد، إبان انتفاضة الأقصى، بأن يعيد بناء مخيم جنين كاملاً، وهو الذي خربته القوات الإسرائيلية المحتلة. أما في القدس نفسها فقد تعهد "زايد الخير" بترميم مسجد عمر وكنيسة المهد. وهكذا أثبت المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بأنه "مسلم" حتى العظم، لا يفرق قط بين مسجد وكنيسة.
واذكر، حينما زرت أبو ظبي يوم أقيمت ندوة جامعة الدول العربية، أن الشيخ خلق من لا شيء شيئاً، فقد ألصق، بإرادته وحكمته، حبة الرمل في صحرائه بحبة الرمل ليجعل منهما شيئاً حياً يعني التطور والحداثة. وبمثل ما فعل بحبة الرمل فعل بدولته أيضاً فدفعها، بوعي وحكمة، في دروب التطور والحداثة حتى بلغت الإمارات المتحدة في عهده مرتبة الحكومات الإلكترونية. لقد أنعم الله على شعب الإمارات العربية المتحدة بنفط بلاده وببساطة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وسعة صدره وبتقبله كل ما هو جديد بعد أن يخضع ذلك الجديد لفحوص واستقصاءات.
وإذا كان للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من فضل فهو قدرته على الاحتفاظ بوحدة الإمارات. فمن المعروف أن مشروعات الوحدة العربية فشلت ما عدا تجربة اليمن والإمارات. وقد مرت تجربة اليمن بمحنة في العام 1994. أما الإمارات فبفضل حكمة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان استطاعت أن ترسخ وحدتها لا بقوة الغلبة ولكن بقوة العقلانية والحكمة التي كان يتصف بهما المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. لقد برهن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على أن الوحدة العربية ممكنة، حتى أن تجربته هذه قد أثارت الحسد والحماسة لدى بعض الدول العربية، ولولا فضائل التسامح والانفتاح والاستعلاء عن صغائر الأمور والرغبة في التقدم، تلك الفضائل التي كانت تزين عقل الشيخ "زايد الخير" ووجدانه، لتعرضت الوحدة لتجارب ومحن.
لقد كان للشيخ زايد الخير امتدادات عربية وإسلامية ودولية كثيرة. وهو لم ينس بلده قط ولا جار على أهله. لقد كان يتمتع بالحدس والحكمة والأمل.