لماذا يركز الجميع بهذا القدر على سياسة الرئيس باراك أوباما»؟ وإلى أي حد يعتبر هذا النقد منصفاً؟ طرح علي صديق في إدارة أوباما هذا السؤال الأسبوع الماضي، لعلمه بأني كنت ناقداً لها بعض الوقت. ففكرة أن الرئيس أوباما كان سلبياً للغاية، والتي كانت حتى وقت قريب تمثل رأي الأقلية، بدأت تتبلور لتصبح الرأي العام التقليدي. وقد قدم أوباما بنفسه أول ومضة لهذه الفكرة الشهر الماضي عندما وصف سياسته الخارجية بأنها سياسة «تتجنب الأخطاء». وربما تكون ملاحظة أوباما توصيفاً عادلا لعمل الرئيس، لكنها أحدثت صدمة بالنسبة للعديد من الناس الذين اعتبروا أوباما أقل طموحاً مما يجب أن يكون عليه رئيس الولايات المتحدة. وجاءت هذه الملاحظة في الوقت الذي وصلت فيه عواقب السلبية الأميركي إلى نقطة تحول. فمن ناحية، وصلت الأوضاع في سوريا إلى مرحلة الدمار، كما أن الصين تلقي بثقلها في جميع أنحاء بحر الصين الجنوبي، وروسيا تغزو أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، فإن عدواً مألوفاً بدأ يحتل مركز الصدارة. وفي هذا الصدد ذكر لي السيناتور الجمهوري «بوب كروكر» (من ولاية تينيسي) أن «روسيا تجلب ذكريات سيئة، وهذا أمر يفهمه الناس». ومن ناحية أخرى، بدأ الزعماء الجمهوريون، بعد سنوات عديدة من التذبذب بين عضو مجلس الشيوخ الانعزالي «راند بول» وعضو مجلس النواب النشط «جون ماكين»، في الميل تجاه «العالمية». وقال «كروكر»، وهو عضو بارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وأحد المدافعين عن النشاط المدروس، إن إعادة توازن رجال السياسة تعكس تحولا بين الناخبين. وأضاف كروكر: «إن قاعدة الحزب الجمهوري تتحرك في مكان مختلف تماماً. فقد رأوا أن الرئيس غير فعال للغاية وعاجز وضعيف -شيء فشيئاً- وفي نهاية الأمر أدركوا ذلك. وكانت روسيا بمثابة اللحظة الرائدة التي بدأ الناس عندها في الاستيقاظ والإدراك تدريجياً بأننا أصبحنا في موقف سيئ كأمة». وإذا ما أصبح النقد حزبيا، فيمكنك الرهان على أنه سيتجاوز حدود المنطق، لذا توجهت بسؤالي الثاني لصديقي: هل هذا النقد منصف؟ إن أوباما لم يكن رئيساً انعزالياً. لقد أبقى على القوات الأميركية في أفغانستان لفترة طويلة بما يكفي لتدريب جيش هذه الدولة وإعطاء شعبها فرصة. كما قام بمطاردة تنظيم «القاعدة» في باكستان واليمن وما وراءهما. ويجري الرئيس كذلك مفاوضات طموحة لإبرام اتفاقات تجارية مع دول آسيا وأوروبا. لكن كروكر كان محقاً في قوله إن أوباما فشل في ممارسة الزعامة الأميركية في لحظات حاسمة، حيث تعتبر الفرص الضائعة في «الربيع العربي» من أكثر اللحظات المفجعة. وإذا عدنا بالذاكرة إلى سقوط حائط برلين عام 1989، نجد أن هذا الحدث يعتبر تقدماً جذرياً غير متوقع للحرية. وبعد القليل من التردد، انتهزت الولايات المتحدة وأوروبا الفرصة، ووعدت بتقديم مزايا حقيقية للدول التي ظلت على درب الديمقراطية الذي تخللته الصعاب في بعض الأوقات. وقد التزم الغرب بكل قوة لحلفائه بهذا الوعد. ولم يكن يكفي جلب الجميع (انظر إلى أوكرانيا)، لكن ملايين الناس، من إستونيا إلى بولندا إلى كوسوفو، كانوا أحسن حالا كنتيجة لذلك. وبعد مرور ربع قرن من الزمان، قام بائع فاكهة تونسي بالتضحية بنفسه، الأمر الذي كان يعتبر بمثابة فرصة مماثلة تاريخية وغير متوقعة. وكان بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا تقديم التشجيع الكافي والمكافآت الممكنة، في مجالات التجارة والمنح الدراسية والاستثمار، للدول التي سلكت طريق الديمقراطية التي كان الملايين من العرب يحتجون من أجلها. وبدلا من ذلك، تعامل أوباما مع اللحظة كحالة غير مرغوبة من التشتت بعيداً عن أولوياته (متمثلة في إبرام اتفاق نووي مع إيران و«التحول» إلى آسيا)، وهكذا فقد ضاعت هذه اللحظة. وبالطبع، لم يكن هناك من ضمان على أن قيادة الولايات المتحدة ستأتي بنتائج أفضل. ولم يكن هناك ضمان كذلك على أن أوباما، إذا ما تفاوض بشأن إبقاء عشرة آلاف أو عشرين ألفاً من القوات الأميركية في العراق، سيتمكن من تفادي انزلاق هذا الشعب مرة أخرى في حرب أهلية. وبالمثل، ليس هناك ضمان على أن تقديم مساعدات مبكرة للمتمردين المعتدلين في سوريا سيحمي هذا البلد من أن يصبح «أسوأ مأساة إنسانية يمكن لأحد أن يشهدها»، كما ذكر السفير الأميركي بالأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام. لكن في كل مرة، كنا نتلقى جرعة. وفي كل حالة، كان أوباما يتم حثه على التصرف، لكنه كان يختار ألا يفعل. وبدأ الزعماء في كل مكان يستخلصون الدروس من تركيز أوباما على «بناء الدولة من الداخل». فقد ذكر «كروكر» أنه حين اجتمع بزعماء اليابان وكوريا الجنوبية العام الماضي، «انهالوا علي بالأسئلة: هل سنكون هناك أم لا؟». وأضاف «كروكر» أنه لا يحدوه الأمل كثيراً في حدوث تغيير في موقف الإدارة الأميركية. وتابع: «فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لا يمكنهم الانتظار حتى يناير 2017، وكل ما يصبون إليه هو تجنب المواجهة بأي ثمن. ففي كل قضية، لا يتم اتخاذ سوى الحد الأدنى من الإجراءات». وبوجه عام، فإن تجنب المواجهات هو أمر جيد، بالطبع، ولا أعتقد أن تصاعد الانتقادات السياسية سيدفع أوباما لتغيير هذا الاتجاه. لكن من ناحية أخرى، فإن غياب الهدف والوضوح في السياسة الخارجية ربما يدعو أيضاً إلى المواجهة. وأصبح ذلك أكثر وضوحاً، بدءا من شرق سوريا إلى شرق أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي، وقد يدرك أوباما أنه حتى الحد الأدنى من التصرف هو أمر لم تعد الولايات المتحدة قادرة على القيام به. ------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»