الاستجواب: أداة أم وسيلة؟
هناك الكثير من الحقوق التي ضمنها وصاغها مشروع لممثلي الأمة في البرلمان، لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في سبل الرقابة على السلطة التنفيذية، ويأتي على رأسها أو من أبرزها حق استجواب البرلمانيين لأعضاء الحكومة منفردين، وذلك بعد سلسلة من الخطوات التي من المفترض أن يكون النائب البرلماني قد قام بها مثل توجيه الأسئلة البرلمانية للوزير من خلال اللجان البرلمانية وحين يكون الطريق مسدوداً ويتعذر على الطرفين التفاهم والتنسيق المشترك يأتي الاستجواب البرلماني ليكون من الوسائل الأكثر حزماً في العمل البرلماني. في البرلمان تتم مناقشة القضايا مكمن الخلافات والنزاعات حيث يحشد العضو فريقه والمؤيدين له في حين يقوم المسؤول الأعلى في الوزارة بالدفاع عن نفسه بالحجة والبرهان.
إن أهم ما يميز الديمقراطية الكويتية والعمل البرلماني على مدى تاريخ هذه التجربة، كثرة الاستجوابات التي تعرض لها أعضاء الحكومة من الوزراء حتى بات المواطنون في الكويت يعرفون المجالس التشريعية بعناوين الاستجوابات العريضة، كاستجواب وزير العدل السابق الشيخ سلمان دعيج الصباح أو استجواب وزير المالية يوسف الإبراهيم وغيرهما، وقد أدت تلك الاستجوابات بطريقة أو بأخرى للتسبب في استقالة الحكومة مجتمعة أو بلجوء ولي العهد أو رئيس مجلس الوزراء لحل التعديل الوزاري.
إن حق الاستجواب على الرغم من مكانته المتميزة في الدستور والعمل البرلماني إلا أنه لم يتم التعامل معه كما تتعامل الكثير من البرلمانات العريقة مع هذا الحق الدستوري. ففي الكويت باتت لدينا ظاهرة مريضة تتناقض مع العملية الديمقراطية، وهي استخدام أداة الاستجواب من أجل تحقيق مصالح شخصية أو فئوية أو أيديولوجية بعيدة كل البعد عن الاستحقاقات التي تفرضها المصلحة الوطنية. فالاستجواب وطرح الثقة فيما بعد أصبح بمثابة فاتورة سياسية باهظة الثمن يدفعها الوزير نظير ربما نزاهته وعدم استجابته لأولئك النواب أو لتطبيقه للقوانين بمعزل عن علل المحسوبية والشللية التي يعاني منها الجسد الوظيفي والإداري في الدولة. لذلك فإن كثيراً من أقطاب الحكومات المتعاقبة من ذوي الأفكار والمشاريع الإصلاحية قد كانوا ضحية تلك الاستجوابات المتعنتة والتي كان من أهم ضحاياها وزير الإعلام السابق المستنير والشيخ سعود الناصر الصباح وزير الإعلام والنفط الأسبق ويوسف الإبراهيم ووزير المالية السابق.
إن طبيعة القضايا التي يضعها حاملو راية الاستجواب كسببٍ أو حجة لاستجوابهم لهذا الوزير أو ذاك تعتبر هامشية لدرجة أن أصيب الكثير من المواطنين بالتذمر والتململ لما آلت إليه الممارسات البرلمانية. فالأولويات التي ينبغي أن يستند إليها أي نائب برلمان يفترض أن تكون مجدولة حسب أهميتها الوطنية والشريحة الاجتماعية التي تعنيها بل حسب تأثيرها في انحراف الأوضاع العامة في الدولة، في حين أن الاستجوابات في الكويت غالباً ما تكون أسبابها متعلقة بالسماح أو بمنع مؤلف ثقافي أو بأوضاع الوزارة المرتبطة بالفترة السابقة على الوزير المستجوب، ناهيك عن محاولات الاستجواب التهديدية التي يقوم بها حالياً شلة من السلف والأخوان المسلمون ضد وزير الإعلام لأنه لم يزد الجرعة الدينية في وزارته.
المراقب السياسي الذي يتابع مسير ما يحدث في علاقة أولئك الإسلاميين مع وزير الإعلام يعرف لأول وهلة أنه لا موضوع للاستجواب يستحق الأهمية سوى الأسباب الطائفية والأيديولوجية، فأغلب المواضيع التي صاغها أفراد ذلك التيار تتمحور حول الحفلات الموسيقية والغنائية وخيم المقاهي ولا ترقى لأن تكون مادة تستحق الاستجواب. وأخيراً نرى أن تسييس أعمال مجلس الأمة الكويتي قد يجهض الديمقراطية من محتواها، خصوصاً إذا تم زج الدين في العمل السياسي.