الإسبانية في أميركا.. لغتان للنجاح
ينبغي على الأميركيين تعلم الإسبانية. هذه هي النصيحة التي قالها رئيس الأوروجواي «خوسيه موخيكا» لنظيره الأميركي باراك أوباما، أثناء زيارته هذا الأسبوع للبيت الأبيض. وأكد الرئيس «موخيكا» على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون دولة ثنائية اللغة.
وبحديثه عن اللغة الإسبانية، والذي ينطوي على مزاح، مسّ رئيس الأوروجواي عصباً حساساً لدى الأميركيين، وهو المتعلق بملف الهجرة.
وقد اعترف موخيكا، في نفس الوقت، بضرورة تعلم سكان أميركا اللاتينية اللغة الإنجليزية، مع دعوته لضرورة تعلم الأميركيين اللغة الإسبانية، وهي اللغة المنتشرة في أميركا اللاتينية.
وربما تخدم هذه النصيحة مصالح رئيس أوروجواي الذاتية، نظراً لأنه يتحدث الإسبانية ولا يعرف الإنجليزية. لكنها أيضاً نصيحة حقيقية، فلا يخفى على أحد أن معظم الأميركيين لا يتحدثون سوى الإنجليزية. وفي هذا العصر من العولمة المتزايدة، يمثل عدم القدرة على التحدث بلغة ثانية قيداً على أنشطة كثير من الأشخاص.
ولا داعي للاستياء. فالإنجليزية على أي حال هي اللغة الرسمية للولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع، وينبغي أن تظل كذلك. فهذه اللغة متأصلة بعمق في البلاد، حتى وإن أصبحت الولايات المتحدة بوتقة لانصهار الثقافات. فالتنوع الكبير لا يعني أن تتخلى الولايات المتحدة عن تاريخها وتقاليدها، وبالتأكيد لغتها أيضاً.
وفي الواقع، فإن جمال وإبداع اللغة الإنجليزية ليس محل نقاش. فما عليك سوى تذوق الشعر الذي نظمه وليم شكسبير أو النثر الذي كتبه وليم فوكنر حتى تدرك ثراء هذه اللغة. ليس هذا فقط، فالمجتمع الأميركي يواصل الابتكار، واللغة الإنجليزية تقدم كلمات جديدة كل عام. وفي مقابل ذلك، فإن الأكاديمية الملكية الإسبانية، وهي الهيئة المسؤولة عن الإشراف على اللغة الإسبانية، تميل إلى استعارة بعض المرادفات من اللغة الإنجليزية. ففي العام الماضي، تبنت الأكاديمية كلمة «tuit» التي تعني «tweet» أو يغرد.
ومن ناحية أخرى، يمكن للأميركيين الاستفادة من تحدث اللغة الإسبانية بسبب العوامل الديموغرافية. فالإسبانية ليست فقط هي اللغة الأكثر استخداماً على نطاق واسع في الولايات المتحدة بعد الإنجليزية، ولكنها أيضاً تزداد انتشاراً في العالم. وذكر معهد «بيو» للأبحاث أن عدد المتحدثين باللغة الإسبانية قد زاد بنسبة 233 بالمائة منذ عام 1980. ويعتقد مكتب الأبحاث أن عدد المتحدثين بالإسبانية سيزداد بما يتراوح بين 39 و43 مليون شخص بحلول عام 2020. واعتباراً من عام 2012، كانت الولايات المتحدة تضم بالفعل 39 مليون شخص من الناطقين باللغة الإسبانية.
والحقيقة أن الأجيال الجديدة من الأميركيين من أصول لاتينية تفقد تدريجياً مهارات التحدث بالإسبانية. لكن هذا الاستخدام الآخذ في الانخفاض للغة الإسبانية يحدث بوتيرة بطيئة، كما أن معظم البالغين اللاتين ما زالوا يؤمنون بأهمية التحدث بالإسبانية، إلى جانب الإنجليزية. وشئنا أم أبينا، فإن المهاجرين الجدد الناطقين بالإسبانية (من غير المسجلين أو نحو ذلك) سيواصلون البحث عن وظائف في الولايات المتحدة.
إنه لمجرد درب من التمني أن تعتقد أن الإسبانية سوف تتلاشى كما حدث من قبل بالنسبة للغة الألمانية أو الإيطالية أو البولندية، حيث تلاشت هذه اللغات بعد سنوات من قدوم مهاجرين من تلك الدول إلى الولايات المتحدة. كما أن الولايات المتحدة لا تشترك في الحدود مع هذه الدول كما هو الحال مع المكسيك التي تعتبر من الدول الناطقة بالإسبانية، وكذلك تعد بوابةً لقارة كاملة من المتحدثين بهذه اللغة.
إن فكرة أن الإسبانية هي لغة «العيش في الجيتو» (حارة صغيرة) كما أشار ذات يوم «نيوت جينجريتش»، وهو سياسي ومؤلف وأستاذ تاريخ أميركي، ليست فقط فكرة عنصرية، بل هي كذلك فكرة قصيرة النظر بشكل أحمق. فالأميركيون اللاتينيون يمثلون قوة ديموغرافية ثرية وذات قوة شرائية كبيرة قد يبلغ حجمها، وفق التوقعات، نحو 1.5 تريليون دولار العام القادم.
وعليه فإن إجادة اللغة الإسبانية يعتبر بمثابة أداة لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للشركات التي تتطلع إلى العمل مع هذه الشريحة المتنامية من الأميركيين. ومن ناحية أخرى، فإن وجود ناطقين باللغة الإسبانية، ممن لا يتكلمون الإنجليزية، في الولايات المتحدة، يمثل كذلك مشكلة. والواقع أني شخصياً مدين بجزء من نجاحي في حياتي المهنية لكوني أتحدث اللغتين الإنجليزية والإسبانية.
وتعتبر الإنجليزية هي لغة الأعمال على المستوى الدولي، ومن المرجح أن تظل كذلك في المستقبل القريب. لكن الإسبانية، على الجانب الآخر، أصبحت تكتسب أهمية في الولايات المتحدة باعتبارها لغة ثانية. أما الذين يفشلون في إدراك ذلك، فسيكون هذا على حسابهم وحساب مستقبلهم.
في العام الماضي، قام السيناتور الديمقراطي، تيم كاين، بحدث يعد الأول من نوعه، حين ألقى خطابه في مجلس الشيوخ الأميركي، باللغة الإسبانية، الأمر الذي وصفته الصحف بأنه مجرد مبادرة «رمزية»، وطريقة لتأكيد أن اللغة الإسبانية لغة تخاطب في الولايات المتحدة حتى داخل أروقة السلطة.
ويمثل الأميركيون اللاتين في الولايات المتحدة وزناً انتخابياً عظيماً، حيث صوت عدد قياسي منهم، بلغ 12?5 مليون ناخب، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها أوباما، بتأييد 71 في المائة من الأميركيين الناطقين بالإسبانية، وبعد شهرين من ذلك تحدث أحد القساوسة للمرة الأولى باللغة الإسبانية في حفل تنصيب أوباما.
راؤول جاليجوس
الإسبانية في أميركا.. لغتان للنجاح
------
راؤول جاليجوس
كاتب أميركي
------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»