أوروبا وهواجس اليمين المتطرف
تشهد نهاية الأسبوع المقبل انتخاب برلمان أوروبي جديد، ولم تكن هذه الانتخابات مُرْضية أبداً بسبب ضعف إقبال الناخبين الأوروبيين، والمثقفين منهم خاصة. وربما يُحدث جمهور الناخبين خلال العام الجاري صدمة غير مسبوقة، ففي فرنسا، التي تعتبر الدولة المسؤولة في الأساس عن قيام الاتحاد الأوروبي، أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الثلاثاء الماضي أن أقل من 40 في المئة من المواطنين الفرنسيين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي «شيء جيد»، بينما يرى 54 في المئة أن ضرر «اليورو» أكثر من نفعه، في حين يخطط أقل من النصف إلى الذهاب للتصويت.
وأشار استطلاع الرأي إلى أن 24 في المئة من المواطنين الذين يعتزمون التصويت سيصوتون لصالح «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة، أكثر من أي حزب آخر. وتشي النتيجة المتوقعة لـ«الجبهة الوطنية» بأن الأوروبيين في كل مكان يميلون إلى التصويت في الانتخابات الأوروبية في الأساس من أجل أهميتها على صعيد السياسة المحلية.
وفي فرنسا، حيث أكتب هذا المقال، ستتابع الصحافة والشعب حتماً نتيجة التصويت بسبب تداعياتها على القضايا المحلية، ومن المتوقع أن تكون النتيجة لطمة أخرى في وجه المرشحين الاشتراكيين وممثلي الأحزاب اليسارية الصغيرة، ومن ثم رسالة عداء لحكام فرنسا الاشتراكيين.
ومن المفترض أن تركز انتخابات البرلمان الأوروبي على قضايا أوروبية شاملة مثل التقشف والسياسات التجارية والهجرة وحرية الانتقال بين دول مجموعة الـ«شنغن» الـ18، وينبغي أن تكون العلاقات الخارجية محوراً أساسياً، وخصوصاً علاقات أوروبا مع روسيا، ومع الولايات المتحدة التي تتجسس على الهواتف والصناعات والحكومات الأوروبية، وتتسبب أيضاً في مشكلات غير مرغوب فيها عبر تهديد روسيا.
ولكن يبدو أن المسؤولية عن كل تلك الأمور ستضاف إلى مسؤولية الحكومات الوطنية. وتكمن أهمية تصويت البريطانيين في انتخابات البرلمان الأوروبي فيما سيكشف عنه بشأن إمكانية انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ولاسيما أن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وعد بإجراء استفتاء على هذه المسألة حال فوز حزب المحافظين في الانتخابات المحلية المقبلة، المزمع عقدها بعد أقل من عام.
وفي هذه الأثناء، يحظى ما يسمى بـ«حزب استقلال المملكة المتحدة»، الذي قرر إخراج بريطانيا من أوروبا، بتأييد الرأي العام البريطاني أكثر من أي تحدٍّ آخر لجناح اليمين فيما يتعلق بعضوية الدولة في الاتحاد الأوروبي، ومن ثم، ستكون حظوظ مرشحيه في انتخابات البرلمان الأوروبي موضع اهتمام كبير بالنسبة للرأي العام الأوروبي.
ومن دون شك سيكون التصويت في فرنسا بمثابة إدانة لقيادة الرئيس فرانسوا أولاند، وستحكم نسبة المشاركة في الانتخابات -وليس القضايا المطروحة للنقاش- تقييم النتائج، فعلى سبيل المثال، كان لدى الفرنسيين في الانتخابات البلدية في مارس سبب للذهاب والتصويت على أساس قضايا محلية محدودة، ولم يكن محور اهتمامهم هو ما يعتقدون بشأن حكومة أولاند، وعلى رغم ذلك تعرض الائتلاف الذي يقوده الاشتراكيون إلى هزيمة مدوية.
وستكون حظوظ حزب «الجبهة الوطنية» بقيادة مارين لوبين محور اهتمام دولي، مع مقارنات بالتصويت للمرشحين اليمينيين والأحزاب اليمينية في أنحاء أوروبا الأخرى، وخصوصاً في بريطانيا وهولندا وإيطاليا والمجر واليونان.
والسؤال هو: هل تتجه أوروبا نفسها صوب اليمين بسبب ضغوط الهجرة من أفريقيا والشرق الأوسط، إضافة إلى الصراعات الداخلية بشأن القضايا الاجتماعية مثل التحيز في أوروبا الشرقية ضد الغجر من رومانيا وبلغاريا؟
وتبقى قضايا السيادة الأوروبية أيضاً من دون معالجة، ولن تتم تسويتها في برلمان الاتحاد الأوروبي، ولكن من سيسويها هي حكومات الدول الأعضاء، وتتعلق هذه القضايا بما إذا كان الاتحاد سيظل رابطة لمجموعة من الدول المستقلة تربطها مجالات اتحادية مهمة، أم أنه سيحاول المضي قدماً نحو قيام نظام فيدرالي بسلطة تنفيذية واحدة، تبدو بصيغة أو بأخرى منذ البداية ممثلة في المفوضية الأوروبية.
وقد تم إحراز كثير من الإنجازات في مجالات التعاون الاقتصادي والعملي، مثل السوق المشتركة والعملة الموحدة والمعايير المشتركة التي تم تطبيقها في عدد كبير من مجالات العمل المشترك. ولكن على صعيد القضايا الأكبر المتعلقة بالوجود السياسي، فشلت جهود ربط أوروبا بعرى أوثق.
وتشير القيود التي واجهتها العملة الموحدة إلى سبب العجز عن إرساء درجة من الوحدة الاقتصادية والمصالح المشتركة بين الدول الأعضاء في منطقة «اليورو»، وهو ما كان سيمكنها سوية من النجاة من الأزمة المالية الراهنة. وبدلاً من ذلك، استفادت ألمانيا ودول الشمال الأوروبي، بينما عانت الدول الأعضاء المطلة على البحر المتوسط، ومن المرجح أن تعاني إلى أجل غير مسمى طالما استمر نهج التقشف.
وهذه ليست مشكلة فنية وإنما هي نقطة ضعف كامنة في التاريخ الاقتصادي والثقافة القومية ومتأصلة في الثقافة الدينية لكافة هذه الدول، وفي مواقفها الموروثة تجاه المال والأثرياء والقيم الأساسية للحضارة. وربما أن استحالة وضع ما يشبه سياسة خارجية مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي لها هي أيضاً جذور ثقافية، وقد تعزى كذلك إلى الاختلافات الواضحة في التاريخ والجغرافيا والقيم الأخلاقية لكل دولة عن الأخرى.
وأما الدفاع الأوروبي المشترك فهو أمر ممكن وينبغي تحقيقه، إذ يتعلق الأمر بالأمن والأمان، وقد تمثلت العقبات أمام إنجاز ذلك في غياب الرغبة في دفع ثمن الدفاع المشترك، وضعف الحاجة إلى فعل ذلك طالما أن من مصلحة الولايات المتحدة الدفاع عن أوروبا. ولكن هذا سيتراجع، واعتماد أوروبا على الولايات المتحدة حتماً سيدرك نهايته، ومن ثم فإن على الدول الأوروبية أن تتأهب، وتتخذ القرارات الكفيلة بالتعايش مع عالم مختلف.
------------
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سرفيس»