فوز «مودي».. انقلاب في المعادلة الهندية
تمكن «بهاراتيا جاناتا» الحزب المعارض الرئيسي في الهند من تحقيق انتصار كاسح في الانتخابات البرلمانية لينتزع بذلك الأغلبية من «حزب المؤتمر» الحاكم في أقوى أداء انتخابي للحزب القومي الهندوسي خلال العقود الثلاثة الماضية.
ولا شك أن الشخصية المثيرة للجدل للزعيم اليميني المتطرف «ناريندرا مودي» والذي سيصبح رئيس الوزراء المقبل، قد مثلت السبب الأساسي للفوز الساحق لحزبه «بهاراتيا جاناتا» الذي كان في صفوف المعارضة لعدة عقود. ونجح «مودي» في تنظيم حملة انتخابية ناريّة وعد ناخبيه من خلالها بالعودة إلى الحوكمة الشفافة والقيادة القوية على خلفية أدائه الإداري والسياسي اللافت عندما كان حاكماً لولاية «جوجارات»، وكانت الرسالة المشتركة التي وجهها لكل ناخب بمفرده تؤكد له أن «الأيام الطيّبة مقبلة على الهند» لو تم انتخابه بالأغلبية الكافية لتولي السلطة وتشكيل حكومة جديدة. ولقيت حملته تجاوباً كبيراً في أنحاء شتّى من الهند بعد أن شهدت البلاد تباطؤاً تنموياً واضحاً، وعندما لمس الشعب الهندي القصور الواضح للحكومات السابقة في إنجاز البنيات التحتية الأساسية.
وبالرغم من ارتفاع درجة الحرارة في عموم الهند أيام الحملة الانتخابية، توجّه الناخبون بأعداد قياسية إلى مكاتب الانتخاب واصطفّوا في الطوابير وانتظروا طويلاً حتى يدلوا بأصواتهم في جوّ سياسي مشحون بشخصية «مودي» المستقطبة. كما يمكن أن يُعزى الفوز الساحق لحزب «بهاراتيا جاناتا» إلى الفوضى والعبث السياسي اللذين ميّزا حكم «حزب المؤتمر» في السنوات القليلة الماضية وبما أوقع الاقتصاد في حالة التباطؤ. وتمكن «مودي» من استثمار الأداء الضعيف لحكومة حزب “المؤتمر”، مبرزاً في المقابل نجاحه الكبير في حكم ولاية جوجارات وسمعته التي لا تشوبها شائبة في الأداء الحكومي والإداري.
وسجل «حزب المؤتمر» الذي بقي في السلطة لعدة عقود، فشلاً ذريعاً في مجاراة الحملة الانتخابية لحزب «بهاراتيا جاناتا» الذي نطق هذه المرة لغة خطابية هابطة ولكنها جريئة تضمنت سباباً وشتائم طالت حتى كبار قادة حزب “المؤتمر”، ووجه «مودي» نقداً قاسياً لأسرتي نهرو- غاندي العريقتين ووصف راؤول غاندي بالأمير المزيّف في إشارة إلى استغلاله للسلطة. وفي الوقت نفسه كان «مودي» يستثمر ورقته الانتخابية الرابحة عندما راح يذكّر الناخبين بأنه كان يبيع الشاي متنقلاً بين المسافرين في محطات القطار.
وعلى غرار الظواهر المرافقة للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فلقد حرص «مودي» على زيارة كافة الدوائر الانتخابية وأطلق حملة دعائية ضخمة على الورق وفي الوسائط الإعلامية المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، وأنفق أموالاً ضخمة لم تشهد لها الهند مثيلاً في تاريخها الانتخابي كله. وتفوقت حملته التي اتصفت بالتحضير البارع والمدروس، على حملات كافة الأحزاب الإقليمية أو الوطنية. ولأول مرة خلال 30 عاماً، صوّت الناخبون الهنود بأعداد هائلة لحزب وطني منفرد.
وفي الهند، سادت سياسة التحالف بين الأحزاب الممثلة في البرلمان من أجل تشكيل الحكومة خلال السنوات الثلاثين الماضية، لأنه ما من حزب كان يفوز بالأغلبية المطلقة لوحده أبداً، لأن ذلك يقتضي الفوز بـ 272 مقعداً من أصل العدد الكلي لمقاعد البرلمان البالغ 543 مقعداً.
وتمكن حزب «بهاراتيا جاناتا» من الفوز بـ282 مقعداً. وكانت آخر مرة سُجّل فيها مثل هذا الانتصار عندما اغتيلت أنديرا غاندي على يدي حارسها الشخصي ليتسلم ابنها «راجيف غاندي» السلطة راكباً موجة العواطف التي ألمّت بشعب الهند. ولكن هذه المرة، لم تكن هناك موجة عواطف وشجون، بل شخصية «مودي» وخطابه الذي أوحى لكل الناخبين بعبارة واحدة: «انتخبوني من أجل التغيير».
وليس هناك إلا القليل من الشك في أن «عصر مودي» قد بدأ في الهند، وذلك لأن انتصاره الكاسح كمّم أفواه كل منتقديه داخل حزبه ذاته من أمثال «السيد أدفاني» و«السيدة سوشما سواراج» اللذين اعترضا على اختيار «مودي» مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء، وهم الذين لم يبقَ أمامهم بعد نجاحه اللافت ثمّة خيار آخر غير الانصياع لرغباته ليس في داخل الحزب فحسب، بل في الحكومة التي يعتزم تأليفها.
وتراجع نصيب «حزب المؤتمر» إلى حفنة من المقاعد في أسوأ أداء انتخابي له. ولم يفُز إلا بـ 44 مقعداً في البرلمان وبما لا يسمح له حتى بتزعّم المعارضة داخل البرلمان. ووفقاً للدستور الهندي، يجب أن يفوز أي حزب بنسبة 10 بالمئة من المقاعد على الأقل، أي 54 مقعداً، حتى يبقى في البرلمان. إلا أن حزب “المؤتمر” ينقصه 10 مقاعد لتحقيق هذا الشرط. وفيما عدا رئيسة حزب المؤتمر «سونيا غاندي» ونائبها «راؤول غاندي»، لا يمكن لأي من الأسماء القيادية الشهيرة في الحزب المشاركة بشكل فعّال في جلسات البرلمان هذه المرة.
ويسمح هذا الانتصار لحزب «بهاراتيا جاناتا» بحكم «المجلس الأدنى للبرلمان» المتخصص باقتراح السياسات التي يختارها وعرض مشاريع القرارات والقوانين على البرلمان من دون أي معارضة. وأما في «المجلس الأعلى» أو مجلس الشيوخ التابع للبرلمان، فإن تمرير أي مشروع قرار يتطلب موافقة بعض الأحزاب الإقليمية.
ولقد ورث «مودي» بنجاحه هذا كتلة ضخمة من التحديات والمشاكل العالقة. وسيمر بأوقات عصيبة حتى يعيد الاقتصاد إلى السكة بسبب غياب الحلول الجاهزة، فأولاً، هو يأتي إلى الحكم حاملاً عبء الوعود والتوقعات التي ينتظرها منه الشعب الهندي، وخاصة أولئك الذين صوتوا له، ولا شك أن الانتقادات المُرة ستكون بانتظاره.
والتحدي الثاني من حيث الأهمية الذي ينتظر «مودي» يتعلق بطريقة تعامله مع السكان المسلمين الذين يحملون من سلوكياته الدينية المتطرفة أسوأ الذكريات. فالرجل عضو بارز في الحزب القومي الهندوسي المتطرف (وهو الاسم الأصلي لحزب بهاراتيا جاناتا)، ومتهم بالتقاعس عن فعل أي شيء عندما قتل الهندوس نحو 2000 مسلم في الولاية التي كان يحكمها. ويضاف إلى كل ذلك أن نتائج الانتخابات أثبتت عدم فوز أي مسلم على الإطلاق بأي من مقاعد حزب «بهاراتيا جاناتا» البالغة 282 مقعداً.