تنتشر في كثير من القرى والمدن المصرية حفر في مساحات شاسعة من الأرض، يستخدمها لصوص الآثار، المدججون بالمدافع الرشاشة والكاسحات، للدخول إلى مواقع أثرية قديمة بحثاً عن أموال مشترين دوليين. وبالنسبة للأعين العابرة، تبدو هذه الحفر ـ التي تظهر في صور الأقمار الصناعية ـ عشوائية، ولكن بالنسبة للخبراء، فإن هذه الحفر العميقة الممتدة إلى مساحات شاسعة من الأرض، تنم عن وجود أنشطة لمهربين محنكين. ولعل هذا النوع من السرقة هو ما يشغل بال وزير الآثار المصري محمد إبراهيم علي. وأوضح إبراهيم أن القطع الأثرية التي تتم سرقتها من المتاحف يسهل تعقبها لأنها مسجلة، في إشارة إلى آثار سرقت من متحف «ملوي» الوطني في صعيد مصر والمتحف المصري في القاهرة، والتي تم التعرف على كثير منها واستردادها. وأكد أن المشكلة تكمن في أعمال التنقيب غير القانونية، موضحاً أنه في مصر عندما تحفر تجد شيئاً ما، لذا بدأت بعض العصابات النشاط بشكل سريع بسبب تعطل قوات الشرطة. وذكر إبراهيم أن سرقة الآثار ليست ظاهرة جديدة في مصر، وإنما تعود لقرون، منذ سرقة قطع أثرية من مقبرة «الملك توت»، ولكن اليوم، بعد مرور ثلاثة أعوام على الثورة المصرية، أصبحت الآثار المسروقة تمثل مصدر قلق عميق للدولة التي تعتمد بشكل كبير على السياحة التاريخية. وقد جعلت مجموعة مقترنة من العوامل الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية من سرقة الآثار القديمة مشكلة أكبر من ذي قبل، في ضوء سهولة النقل إلى الخارج مع الارتفاع الكبير في أسعار الآثار، والذي جعل منها هدفاً سهلاً لمجموعات اللصوص المنظمة. وتبدو سرقة الآثار قضية ملحة بالنسبة لإبراهيم، الذي زار واشنطن في مارس الماضي للقاء مسؤولين في إدارة أوباما طلباً لقيود طارئة على استيراد التحف والآثار. ويمكن الآن لإدارة الهجرة والجمارك مصادرة قطع الآثار المقلدة من 16 دولة إذا لم تتوفر الوثائق الملائمة، ولكن مصر ليست واحدة منها، وستبدأ وزارة الخارجية في يونيو المقبل مناقشة مقترح مصر ليتم إدراجها ضمن هذه الدول. وقال إبراهيم «إن هذه الاتفاقية من شأنها أن تمكننا من السيطرة على الوضع»، مضيفاً «إن كثيراً من القطع الأثرية تُباع في الولايات المتحدة». غير أن وقف القطع الأثرية المسروقة من عبور الحدود الأميركية ليس الخيار الوحيد، حسبما يرى الخبراء، إذ يساور البعض القلق من أن القيود الصارمة على الآثار ستحول دون عمليات البيع القانونية إلى المتاحف. ويريد آخرون ضرورة استهداف القطع الأثرية المسروقة في المنبع، وتسلط الوسائل التكنولوجية الجديدة الضوء على التجارة غير المشروعة للآثار قبل وصولها إلى سلطات الحدود. وتقول عالمة الآثار في جامعة «ألاباما» سارة باركاك، «إن أنشطة تعقب المناطق التي تحدث فيها السرقة ربما يساعد سلطات إنفاذ القانون والمسؤولين على تحديد الآثار المسروقة قبل طرحها للبيع». وتمارس «باركاك» ما يعرف بأنه أحدث طريقة تكنولوجية لتعقب المواقع والآثار المسروقة باستخدام صور الأقمار الصناعية من شركة «ديجيتال جلوب» و«جوجل إيرث» لتحديد ما وصفته بـ «المناطق الساخنة». وأكدت أنه كان من الصعب قبل هذه التكنولوجيا الحصول على تصور كامل للمواقع التي تعرضت للتخريب بسبب السرقة في جميع أنحاء العالم. وأضافت «إن صور الأقمار الصناعية تمكننا من تعقب مدى الضرر الذي لحق بأي موقع، وليس فقط معرفة عدد المواقع المخربة، كما يمكننا متابعة التغيير في الموقع بمرور الوقت». وأشارت «باركاك» أيضاً إلى أن تحديد أماكن الحركة في المواقع المسروقة، سيساعد دور المزادات وتجار الآثار على مراقبة القطع الأثرية المعروضة للبيع عن كثب، إذ أن كثيراً من هذه القطع تشتهر بأنها من مناطق محددة أو عصور معينة، كما أن النشاط في الموقع الأثري يمكن أن يدق جرس الإنذار قبل طرح الآثار للبيع. وفي كثير من الأحيان، يقلد اللصوص قطع آثار أصلية، ويخدعون دور المزادات الكبرى أو يعرضوا الآثار على مواقع مثل «إي باي»، كما حدث العام الماضي عندما أزال الموقع 125 أثر قديماً من العرض. وأصدرت «جمعية مديري المتاحف الفنية»، التي تضع المعايير لكثير من المتاحف في الولايات المتحدة، قواعد صارمة تحكم كيفية التعامل مع الآثار المشكوك في أصلها. وفي عام 2013، عدلت الجمعية قواعدها بشأن الاستحواذ على آثار وفنون قديمة، مشددة على ضرورة توثيق عمليات الشراء، من قبل مديري المتاحف. وأوضحت جوليان رابي، مديرة متحف «سميثويان» للفنون «أن المواقف تبدلت بشكل كبير خلال العقد الماضي، وأصبحت هناك متاحف كبرى أكثر اهتماماً بشأن الدمار الذي تتعرض له المواقع الأثرية في مصر». ويدافع «التحالف الدولي لحماية الآثار المصرية»، وهو جزء من معهد «كابيتول» للآثار التابع لجماعة واشنطن، عن دعوة مصر للقيود المؤقتة على استيراد الآثار المقلدة، لكن بعض العاملين في المتاحف يحذرون أيضاً من أن صرامة القواعد يمكن أن تسبب ازدهار السوق السوداء. وفي حين تتبع المتاحف الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا قواعد صارمة، لا تعمل كثير من المتاحف الجديدة في الدول النامية وهواة جمع التحف وفق القواعد ذاتها. ------------ كاثرين بويل محللة سياسية أميركية ------------ يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»