انتهت بداية الأسبوع الحالي أعمال جمعية الصحة العالمية السابعة والستون، بحضور أكثر من 3500 مندوب، يمثلون الجهات الصحية في 194 دولة، هم أعضاء الجمعية، بالإضافة إلى ممثلين من العديد من الوكالات، والمنظمات، والمؤسسات، العاملة في مجال تطوير وتحسين الصحة العامة الدولية. ونجحت هذه الجمعية الأخيرة في تحطيم الأرقام القياسية، على صعيد حجم المواضيع التي طرحت ضمن جدول الأعمال، ومن ناحية عدد الوثائق والتقارير التي أدرجت أو تم نشرها، وأيضاً على صعيد عدد القرارات ذات الصلة بقضايا الصحة العامة من المنظور الدولي، حيث تم إصدار واعتماد أكثر من 20 قرارا، مما يجعل هذه الجمعية أكثر الجمعيات الصحية العالمية سخونة على الإطلاق. ولن يتسع المقام هنا لذكر وتعديد جميع القضايا والمشكلات الصحية التي أدرجت ونوقشت في جدول الأعمال، أو حتى استعراض العشرين قرارا الذين تم إصدارهم، ولذا سنكتفي هنا بأهمها، وأكثرها وقعاً على الصحة العامة من المنظور الدولي. إحدى تلك القضايا، التي أدت إلى صدور قرار خاص بها، تتعلق بالقلق المتزايد بين أفراد المجتمع الطبي وبقية العاملين في المجال الصحي، من تفاقم ظاهرة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية. حيث طالب المشاركون في أعمال الجمعية، الدول الأعضاء، بضرورة تمكين وتفعيل الخطط المحلية المتعلقة بنظم إدارة الأدوية والعقاقير الطبية، ودعم الأبحاث الهادفة لإطالة فترة فعالية المضادات الحيوية قبل أن تتمكن البكتيريا من توليد مقاومة ضدها، وتشجيع وتحفيز تطوير واكتشاف خيارات جيدة للتشخيص والعلاج. وجدير بالذكر، أن السنوات الأخيرة قد شهدت قلقاً متزايداً من أن العصر الذهبي للمضادات الحيوية بدأت شمسه في الأفول، حسب مديرة منظمة الصحة العالمية، التي أطلقت تحذيراً سابقاً بأن الجنس البشري على مشارف "عصر ما بعد المضادات الحيوية"، والذي ستعود فيه العدوى البكتيرية البسيطة التي يمكن علاجها حالياً بكل سهولة إلى سابق عهدها، من الفتك بضحاياها، دون أن تجدي معها المضادات الحيوية نفعاً. وفي هذا السيناريو المرعب، لن يصبح في الإمكان إجراء العمليات الجراحية الروتينية، أو التدخلات الطبية البسيطة، لأن المرضى الذين سيخضعون لتلك العمليات والإجراءات، سيلقون حتفهم ليس من الجراحة ذاتها، أو من النزيف، أو حتى من التخدير، بل من العدوى البكتيرية التي ستصيب موضع الجراحة، لتنهش العدوى جسد المريض، وتقتله في النهاية. وأمام هذا السيناريو المرعب، ستعمل منظمة الصحة العالمية على تطوير خطة عمل دولية، تهدف إلى مكافحة قدرة الميكروبات على مقاومة المضادات الحيوية، على أن تقدم في شكلها النهائي لجمعية الصحة العالمية خلال الاجتماع العام القادم للاعتماد، والبدء في التطبيق من قبل الدول الأعضاء. الموضوع الآخر الذي حظي بحظ وافر من اهتمام مندوبي جمعية الصحة العالمية، هو قضية العنف ضد النساء، حيث تتعرض النساء والفتيات لأنواع محددة من العنف، غالباً ما تكون خفية. فعلى مستوى العالم، تتعرض واحدة من كل ثلاث من النساء للعنف البدني، أو العنف الجنسي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتها. ويتضح حجم هذه المشكلة من الاحصائيات التي تشير إلى أن 1.4 مليون امرأة يفقدن حياتهن كل عام، نتيجة للعنف. ورغم ضخامة هذا العدد، إلا أنه لا يعبر عن الصورة الكاملة. فلكل امرأة تفقد حياتها بسبب العنف، يوجد أعداد أكبر بكثير، من النساء اللاتي لم يفقدن حياتهن بسبب العنف، ولكن تعرضن للإصابة، وربما حتى الإعاقة الدائمة، ليظللن يعانين من مضاعفات ومشاكل صحية وعقلية متنوعة ومزمنة. كما احتل موضوع الأدوية الأساسية، مكانة مرموقة على أولويات مندوبي الدول ضمن أعمال جمعية الصحة الدولية. ويشير مصطلح الأدوية الأساسية، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية، إلى الأدوية الضرورية التي تلبي احتياجات الرعاية الصحية لغالبية السكان في مجتمع ما، ويفترض توفرها في جميع الأوقات بكميات كافية وبجرعات مناسبة، وبسعر يجعلها في متناول غالبية الأفراد. وبناء على هذه المعايير، تنشر منظمة الصحة العالمية قائمة دولية بهذه الأدوية الأساسية مع تشجيع كل دولة على حدة على نشر قائمة أدوية أساسية خاصة بها، تتوافق مع أولويات الاحتياجات الصحية المحلية. وبالفعل، قامت أكثر من 150 دولة حول العالم بنشر قائمتها الرسمية الخاصة من الأدوية الأساسية. وأخيراً، وافق الدول الأعضاء على قرار لتأطير وهيكلة نشاطات الصحة العالمية -في حقبة ما بعد أهداف التنمية للألفية المنتهية عام 2015- مؤكدين ضرورة مشاركة ومساهمة جميع المعنيين، من وزارات الصحة، والهيئات الطبية، والمنظمات الدولية، والجماعات الخيرية، وشعوب ومجتمعات الدول المختلفة. وهو ما سيتضمن الحاجة إلى إنهاء ما لم يتم إنجازه حتى الآن على صعيد أهداف الألفية التنموية للجانب الصحية، مثل صحة الأطفال حديثي الولادة والرضع، وزيادة التركيز على الأمراض غير المعدية، وعلى الصحة العقلية، والأمراض الاستوائية المهملة. كما يؤكد هذا القرار أهمية تعميم الرعاية الصحية لجميع أفراد المجتمع، وعلى الحاجة لدعم وتطوير نظم الخدمات الصحية.