وعد منتجو، أو بالأصح محتكرو إنتاج الحليب برفع الأسعار عقب شهر رمضان، ولكن يبدو أنهم قد نجحوا في امتصاص ردة الفعل الأولى للأسواق، وقاموا برفع الأسعار قبيل انتهاء الشهر وبنسبة تفوق ما أعلنوه !
المشكلة ليست في توقيت رفع الأسعار، بل في مبررات هذه الخطوة نفسها سواء حدثت قبل شهر رمضان أو بعده، فالحليب ليس كأي سلعة أو خدمة أخرى، فليس منطقياً أن ندعو إلى ترشيد الاستهلاك في سلعة هي عماد تغذية أطفالنا، وهي حائط الصد الأمامي في مواجهة طوفان المنتجات والألوان الصناعية التي تهدد صحتنا. والمشكلة أيضاً أنه يصعب إيجاد مبرر واحد للإصرار على رفع الأسعار، إلا إذا كان الحليب أحد مشتقات النفط الذي ارتفعت أسعاره عالمياً، أو أن الحليب الطازج يستورد من أسواق اليورو الذي ارتفعت قيمته مقابل الدولار إلى سقف قياسي في الآونة الأخيرة. وإذا كان الغضب قد اعترى الأنفس بعد الحديث عن رفع سعر البنزين، فما بالنا ونحن نتحدث عن الحليب الذي يعد غذاء رئيسياً للجميع من دون تفرقة بين أصحاب الدخول العالية أو المتوسطة. والمشكلة ثالثاً أن كل تكتل إنتاجي احتكاري يرى أن تحريك أسعار سلعته بمقدار درهم أو أقل أو أكثر لن يزيد أعباء المستهلكين، أو أن هذا التحريك لن يكون ملحوظاً أو مؤثراً في ميزانية العائلات! ولكن هؤلاء يدركون أن "لعبة" الدراهم القليلة لو تكررت في كل منتج فإن هناك عائلات ستجد نفسها في مواجهة واقع معيشي لا تقدر على تحمله. هناك حلول عدة لمواجهة ارتفاع الأسعار في مقدمتها ضرب ظاهرة الاحتكارات الاقتصادية التي تعمل في اتجاه مضاد للتنافسية والحرية الاقتصادية، وهناك أيضا دور الدولة خصوصاً أن التجارب الاقتصادية قد أثبتت أن مبدأ الحرية الاقتصادية ليس مطلقاً، حيث ثبتت أهمية تدخل الدولة لتقويم انحرافات السوق، سواء من خلال ضخ أموال في أنشطة اقتصادية معينة أو تقديم الدعم المباشر وغير المباشر لمواطنيها، أي أن إطلاق حرية السوق قد لا يعني رفع يد الدولة تماماً عن الأسواق، خصوصاً في ظل وجود عقبات تعرقل آليات العرض والطلب مثل الاحتكارات وغيرها.
المأمول أن تركز الدولة بشتى الطرق على ضرب ظاهرة الاحتكارات التي تتغلغل في مختلف قطاعات السوق بعد أن انتقلت من الحليب والألبان إلى الدواجن وغيرها، ما ينسف أي رهان على عامل التنافسية ناهيك عن أن الاحتكارات تقلص الجودة والتميز الإنتاجي، ويصبح المتغير الوحيد للفوز بحصة أكبر من السوق هو المقدرة على خداع المستهلك بشعارات إعلانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية