في مثل هذا الشهر منذ خمسة وعشرين عاما مضت، قام عدة مئات من الطلاب الإيرانيين بالاستيلاء على مبنى السفارة الأميركية في طهران، والاحتفاظ بدبلوماسييها وحراسها من المارينز كرهائن، تاركين الشعب الأميركي يستشيط غضبا ويتساءل: لماذا يكرهوننا؟ والآن، وإدارة بوش تشمر عن ساعدها لبدء فترة ولاية ثانية، تعود إيران لتحتل مجددا صدارة الأجندة السياسية الأميركية، في حين نظل نحن بدون إشارات هادية بشأن كيفية التعامل معها. والسؤال هنا هو: كيف يمكن لنا أن نخرج بخطة متماسكة بشأن إيران؟
هناك نقطة جيدة يمكننا أن نبدأ منها وهي، أن نقوم بتحليل الخطوات الذكية والأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة مع عضو آخر من أعضاء محور الشر ألا وهو العراق. وهناك عدة دروس يمكن استخلاصها من ذلك: تجنب نغمة التغير السهل للنظام. فعلى مدار التسعينيات كنا نسمع أن نظام صدام مكروه للغاية من قبل شعبه، وأن الأمر لن يحتاج منا سوى إلى تزويد بعض المتمردين بالسلاح، وتوفير غطاء جوي لهم كي يتم قلب النظام... وهو ما لم يكن صحيحا.
على نفس المنوال، نجد أن الإيرانيين وإن كانوا يريدون تغيير شكل حكومتهم إلا أنهم ليسوا مستعدين لحمل السلاح ضدها. وإذا ما أخذنا تجربتنا في العراق مقياسا، فيمكننا القول إنهم سيقاومون أية محاولة للتدخل في شؤونهم الداخلية.
إن الحل الدبلوماسي مفضل كثيرا على الحل العسكري. فالمشاكل التي نواجهها في العراق واضحة، كما أن هناك سبباً آخر يدفعنا للنأي بأنفسنا عن مهاجمة إيران وهو أنه لا يوجد أمامنا خيار عسكري حقيقي هناك. فقواتنا أصبحت موزعة على مساحة واسعة، كما أن الحرس الثوري الإيراني يمكن أن يمارس مقاومة عسكرية ضدها أكثر كفاءة مما هو موجود حاليا في العراق. كما أن توجيه ضربات جوية استراتيجية لا يعد خيارا مناسبا لأن إيران استفادت من تجربة العراق وقامت بتوزيع منشآتها النووية في مختلف أنحاء البلاد، وعمدت إلى اتباع وسائل التمويه والإخفاء، بحيث لم تعد لدينا الآن صورة واضحة عن شبكة المنشآت النووية الإيرانية.
إن المقاربة المتعددة الأطراف للمسألة قد تنجح في تحقيق ما تعجز عنه المقاربة الأحادية. فالسبب الرئيسي الذي جعل صدام حسين يتخلى – أو على الأقل يقوم بتجميد- برامجه الخاصة بإنتاج الأسلحة غير التقليدية- هو رغبة الفرنسيين والروس والصينيين في ذلك الوقت في انتهاج نظام في التعامل مع العراق يقوم على التفتيش من جهة، وعلى فرض العقوبات الاقتصادية من جهة أخرى. المشكلة حدثت بعد ذلك بعد أن انشقت تلك الدول عن صف حلفاء أميركا وخففت ضغطها على العراق، بل وساندت موقفه في مجلس الأمن الدولي وهو ما سمح للنظام بالالتفاف على العقوبات المفروضة عليه.
وتاريخ تعاملاتنا مع إيران يظهر أننا نميل إلى التعامل مع هذه الدولة بنفس أسلوب تعاملنا مع النظام العراقي. فخلال عقد التسعينيات من القرن الماضي حاولت أميركا تغيير السلوك الإيراني عن طريق فرض عقوبات تجارية، ولكن هذه السياسة التي كانت تقوم على استخدام العصا وعدم تقديم الجزرة، لم يكتب لها النجاح.
وإذا ما أردنا نحن وحلفاؤنا إرغام الإيرانيين على إدخال تغييرات حقيقية، وأن نوفر لهم الأسباب التي تدعوهم لإيقاف أو على الأقل إبطاء برنامجهم النووي، فإنه يتعين علينا أن نقوم باتباع نهج جماعي في التعامل مع إيران يجمع ما بين استخدام العصي وتقديم الجزر في ذات الوقت.
ومن ضمن أهداف هذا الأسلوب المتوازن في التعامل، إقناع إيران بالقبول ببرنامج تفتيش محكم، مع دعمه من خلال تهديدها بالعقوبات إذا ما أقامت في وجهه العراقيل. ولو تم وضع مثل هذا البرنامج موضع التطبيق، فسوف تكون أمامه فرصة جيدة للنجاح، خصوصا إذا ما أدركنا بوضوح الفارق بين الوضع في العراق ومثيله في إيران. هذا الفارق يتمثل في أنه فيما يتعلق بالحالة العراقية، كانت هناك عقوبات شاملة مفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي، تتضمن- في حالة توافر ظروف محددة- إمكانية استخدام القوة. أما بالنسبة لإيران فإننا لا نملك سوى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي معاهدة تسمح للمفتشين بتفقد الأماكن التي تسمح لهم الدول المعنية بالدخول إليها، ولكنها لا تحول فعليا دون تطوير مواد انشطارية، ولا تحتوى سوى على إشارة غامضة بإمكانية فرض عقوبات.
والخلاصة التي يمكننا التوصل إليها هي أن اتباع استراتيجية واضحة ومتماسكة بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان تجاه إيران، هو الوسيلة الوحيدة لجعل إيران تمتثل للمجتمع الدولي.
ومن الأسهل لنا بكثير أن نقنع حلفاءنا بالانضمام إلينا من أجل اتخاذ إجراءات عقابية، إذا ما تمكنا من أن نحدد أولا كيف يتم وضع تلك الإجراءات موضع التنفيذ، وما هي الظروف التي تستدعي فرضها.
فعلى الرغم من أن النظام العراقي السابق مارس الغش والخداع والتهريب، وحاول تقويض نظام العقوبات المفروضة عليه، وقام المرة تلو الأخرى بالتراجع عن تعهداته، إلا أننا لم نكن قادرين مع كل ذلك على الاتفاق مع الحلفاء- في مجلس الأمن الدولي