تشير الإحصائيات الوطنية في الولايات المتحدة إلى أن أكثر من 10 ملايين أميركي مصابون بهشاشة العظام (osteoporosis)، بينما يعاني 34 مليوناً آخرون من ضعف العظام (osteopenia)، والذي يؤدي بدوره لاحقا إلى الإصابة بهشاشة العظام. وتقدر الدراسات على العينات العشوائية، أن 50% من النساء الأميركيات و25% من الرجال الأميركيين، سيصابون بهشاشة العظام في مرحلة ما من حياتهم. وتتسبب هشاشة العظام وضعفها بين الأميركيين في أكثر من 1.5 مليون كسر سنويا. معظم هذه الكسور يحدث في المنطقة القطنية (منطقة أسفل الظهر)، ومنطقة الفخذين والرسغين. بينما تبلغ تكلفة الرعاية الصحية لهشاشة العظام، وما ينتج عنها من مضاعفات، حوالي 17 مليار دولار سنويا، حسب إحصائيات عام 2001. ولا يختلف الوضع عنه كثيرا في بريطانيا، حيث تصيب هشاشة العظام ثلاثة ملايين بريطاني، أو امرأة من بين كل ثلاث من النساء ورجلا من بين كل اثني عشر رجلا، ممن هم فوق سن الخمسين. وتتسبب هشاشة العظام وضعفها في حوالي 200 ألف حالة كسر سنويا في بريطانيا، يلقى 40 حالة منهم حتفهم يومياً.
هذه التقديرات الهائلة لمدى انتشار هشاشة العظام، يعتقد البعض أنها أقل من الواقع الحقيقي. فبين الأوساط الطبية يطلق الكثيرون على هشاشة العظام لقب المرض الصامت (silent illness)، بسبب أن الكثير من المصابين به لا يدركون إصابتهم بالمرض من الأساس، إلى أن ينكسر أحد عظامهم ويفاجأوا بأنهم مصابون بالمرض، وربما منذ عدة سنوات مضت. ولفترة طويلة كان يعتقد أن هشاشة العظام مرض من أمراض سنوات الشيخوخة والهرم، وإن كانت الدراسات الحديثة تشير إلى أن جذوره تبدأ في فترة المراهقة والشباب، وربما حتى قبل ذلك.
آخر هذه الدراسات صدر مؤخرا من فريق جامعة "ساوث آمبتون" (Southampton University) في بريطانيا، وأظهر أن بعض حالات هشاشة العظام ربما يكون سببه خليط من الجينات الوراثية السيئة، والظروف الحيوية غير المناسبة أثناء فترة الحمل والسنوات الأولى من الحمل. فبالنسبة للجينات الوراثية، نجح فريق العلماء في تحديد طفرة جينية بعينها، تزيد - إذا ما حدثت- من احتمالات الإصابة بالمرض. ولكن كما يشير العلماء، لا يمكن لهذه الطفرة الجينية أن تتسبب وحدها في المرض، بل غالبا ما تترافق مع نقص المواد الغذائية الأساسية، أثناء وجودنا في أرحام أمهاتنا، وفي السنوات الأولى من حياتنا. نتائج هذه الدراسة المثيرة، والتي نشرت في المجلة العلمية المرموقة (Journal of Clinical Endocrinology and Metabolism) تؤكد بشكل قاطع، حقيقة أن هذا المرض غالبا ما ينتج عن تراكم وتفاعل التأثيرات الوراثية مع الظروف البيئية، بدلا من أن يكون واحد منها فقط هو المسؤول مسؤولية مباشرة عنه. فعلى الرغم من أن العلماء يدركون منذ زمن بعيد، أن العوامل الوراثية والظروف البيئية تشتركان في التكوين الجسماني للشخص وفي تحديد مستقبله على صعيد الصحة والمرض، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الأبحاث مدى فداحة تأثير الظروف البيئية -أثناء الفترات المبكرة من حياتنا- على تكويننا الجسماني ومستقبلنا الصحي. هذه الظروف البيئية تشمل مدى جودة وتوازن غذاء الأم الحامل، وإذا ما كانت تدخن أم لا، ومقدار ممارستها للنشاط البدني اليومي، وهي الظروف التي يمكنها أن تؤثر سلبا أو إيجابا في الجينات المسؤولة عن نمو وتطور الهيكل العظمي. وهو ما يعني أنه إذا ما كان الشخص يحمل جينات وراثية سيئة، ينتج عنها غالبا هيكل عظمي ضعيف، فيمكن للظروف البيئية الحسنة أن تقلل من تأثير الوراثة، ليحصل الشخص في النهاية على عظام قوية. والعكس صحيح، فإذا ما كان الشخص يتمتع بجينات وراثية يمكنها أن تمنحه هيكلا عظمياً قوياً، فيمكن للظروف البيئية السيئة أن تجعله يصاب بضعف العظام وهشاشتها في مرحلة لاحقة من عمره.
وما يحدث في الحقيقة في حالة الإصابة بهشاشة العظام، هو أن العظام - كما يدل اسم المرض- تصبح هشة ورفيعة وضعيفة، مما يجعلها سهلة الكسر. وتصاب العظام بهذه الحالة بسبب صفة أساسية في الجسم البشري، وهي أننا بعد سن الخامسة والثلاثين، نفقد جميعنا عددا من خلايا العظام، بشكل أسرع من قدرة أجسادنا على إحلالها. هذا الفقد المستمر للخلايا، والأسرع من قدرتنا على استبدالها، يتسبب في النهاية في انخفاض كثافة العظم (هشاشته)، ومن ثم ضعفه وتكسره. والمؤسف أن المصاب لا يشعر بأية أعراض أو علامات، تنبهه إلى أن عظامه تقل كثافة وتزداد ضعفا يوما بعد يوم، ولذا غالبا ما تكون أول أعراض المرض الإصابة بكسر بعد سقطة بسيطة أو صدمة ضعيفة. وبسبب عدم قدرة تلك الكسور على الالتئام، تتسبب في آلام مبرحة للمرضى لفترات طويلة، وتؤدي إلى إعاقتهم وفقدانهم للاستقلالية في الحركة وبقية الأمور المعيشية.
وأحيانا تؤدي هذه الكسور إلى وفاة المرضى، بسبب المضاعفات الأخرى الناتجة عنها. وتظهر لدى المسنين علامات هشاشة العظام في شكل قصر طول الشخص مع تقدمه في السن مقارنة بطوله في سنوات الشباب، كما تظهر على شكل انحناء