الغيبوبة العميقة التي غيبت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن الساحة الفلسطينية، والسنوات الأربع الجديدة للرئيس الأميركي جورج بوش، وخطة الفصل الأحادية التي فرضها شارون على أرض الواقع ولاقت تأييداً دولياً، تعتبر ثلاثة مفاصل أساسية تجعلنا أمام مرحلة جديدة وخارطة جديدة ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل قد يمتد أثرها إلى المنطقة، لجهة التفاعل بين القضية الفلسطينية ودول الجوار والمنطقة، هذه العناوين الثلاثة المفصلية والكبيرة بكل ما تحمله من معانٍ وأبعاد سياسية وجغرافية، تفرض علينا أن ننظر إلى القضية الفلسطينية وتداعياتها عبر هذه العناوين مجتمعة دون أي انفصال، والعمل من خلالها للخروج من المأزق الذي وضعت فيه القضية الفلسطينية بفعل أعمال شارون وخططه وسياساته التي أقصت الطرف الفلسطيني من معادلة السلام، لأنه ليس شريكاً حقيقياً في هذه القضية، وأن عرفات بسياساته "حسب شارون والحكومة الإسرائيلية"، لم يقم بما هو مطلوب منه لمكافحة الإرهاب والإرهابيين.
في ظل الوضع الراهن الذي هو عليه الرئيس الفلسطيني، ووسط الاستعداد لإعلان نبأ رحيل عرفات لم يعد لهذه الورقة التي استخدمتها إسرائيل لمدة أربع سنوات أو أكثر مبرر، لاسيما في ظل الحديث عن وجود قيادة معتدلة يمكن أن تتعامل معها إسرائيل، وتعيد المعادلة إلى وضعها الطبيعي، وبدلاً من الاستمرار في التفاوض حول القضية الفلسطينية، يكون هناك طرف فلسطيني يتفاوض جنباً إلى جنب مع الجانب الإسرائيلي ووفقاً لأجندته الوطنية وليس وفقاً لخطة وبرنامج شارون، ولتحقيق هذه المعادلة فإن الطرف الفلسطيني بحاجة إلى دعم عربي حقيقي يساعده على العودة إلى طاولة المفاوضات وفقاً لخطة خارطة الطريق، وهذا يقودنا إلى العنوان الثاني، وهو فوز بوش بولاية رئاسية جديدة لمدة أربع سنوات، فالولايات المتحدة والإدارة الأميركية هي القادرة في هذه المرحلة الجديدة على فرض تطبيق خارطة الطريق وتنفيذ رؤية دولتين فلسطينية وإسرائيلية جنباً إلى جنب، وهذا المبدأ أكد عليه الرئيس الأميركي جورج بوش في اتصال هاتفي مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك لتدارس مرحلة ما بعد عرفات، هذا التأكيد يحتاج إلى جهد فعلي من الولايات المتحدة الأميركية لتحقيقه على أرض الواقع ووقف دورة العنف التي تحمّل فيها الشعب الفلسطيني العبء الأكبر، وأن تنظر الإدارة الاميركية إلى القضية بميزان عادل للطرفين، وليس لطرف على حساب الآخر، خصوصاً وأن شارون ماضٍ في فرض واقع جديد على الأرض سواء من ناحية خطة الفصل الأحادية والانسحاب من غزة أو جدار الفصل العنصري، وهذا يضع الجانب الفلسطيني أمام مسؤوليات واستحقاقات مهمة يتقدمها توحيد الصف الفلسطيني والتعاطي مع هذا الفصل بشكل يؤكد قدرة الشعب الفلسطيني على إدارة شؤونه بنفسه بعيداً عن الصراعات والخلافات خصوصا في ظل المرحلة الراهنة التي تشهدها القضية الفلسطينية والتي تستوجب من الجميع العقلانية وتغليب المصلحة الوطنية.