على غير العادة، اختلفت أساليب ودعوات الأعياد، فسابقاً كان الناس يتفاءلون بقدوم العيد، ويقدمون لبعضهم بعضاً أجمل الدعوات بالخير واليمن والبركات والسعادة وموفور الصحة، وغيرها من موضوعات الدّعاء، غير أن بروز التنظيم الإخواني المتأسلم في الساحة، ومن قبله تأسيس قناة الفتنة (الجزيرة) التي قادت المنطقة في رحلة التغيير المبهم نحو الأسوأ، وما تبعها من حركات إرهابية جهادية، جعلت طعم العيد يتحوّل بزاوية تامة، فتهاني أعياد المنطقة التي عانت أصلاً من سطوة التقنية التي أوهنت الترابط الاجتماعي القديم، وجدت في هذا التغيير مضموناً مختلفاً لأساليب وطرق الرسائل بعدما وجدت الرسائل ذاتها تحل محلّ التواصل الفعلي، غير أن أُسراً كثيرة في العالم والمنطقة لم تجد عنواناً لإرسال التهاني، فقد فقدت الصديق والمعيل والأخ والولد، بل ربما فقدت حتى الهواتف التي تستخدمها كمنصات لإطلاق الرسائل، وحتى من يمتلكون الهواتف، قد لا تسعفهم الكهرباء لشحن بطارياتها، فالوضع المأساوي في سوريا أحال فيه المتأسلمون رمضان سكانها إلى جحيم لا يطاق، بينما اشتدت أصوات مسببات الموت طيلة أيام العيد ليحلّ البارود محلّ الحلوى، ويحلّ العويل محل الفرح والتهاني، ولم يختلف الحال في غزة التي كان من المقرر أن تستقبل هذا العيد بشيء من الفرحة لولا وقوف التنظيم الإخواني المتأسلم والدولة التي يرتديها قناعاً، في وجه المبادرة المصرية التي وافقت عليها إسرائيل، بعدما أوهموا قادة حركة «حماس» بالدعاية التي نشروها بطريقة مدروسة، وفحواها أن مواصلة المقاومة يشكّل انتصاراً للحركة وهزيمة للجيش الإسرائيلي! وهي نظرية واهية سارع الإعلام لاتقاطها واستهلاكها حتى كادت تتحول لمسلّمة، لكنها لا تستند إلى أيّ أساس عقلاني أو منطقي. فهل يُعدُّ هذا الكم الهائل من الضحايا المدنيين انتصاراً لـ«حماس»؟! وهل يُعتبر تدمير البنى التحتية في غزّة نصراً لها؟! وما جدوى الصواريخ التي أطلقتها الحركة على إسرائيل؟ وهل خدمت القضية الفلسطينية أم استغلت وهن المنطقة وزادت دولها انقساماً؟ ومَن أوصل الأوضاع إلى هذه الحالة التي أضرّت كثيراً بالقضية الفلسطينية؟ ولماذا وقف التنظيم الإخواني المتأسلم ضد نجاح المبادرة المصرية التي هدفت للحفاظ على من تبقّى من مدنيين عُزّل، ومحاولة إدارة الصراع لصالح العرب، لو لا أن التنظيم الإخواني استمات في إفشالها فقط لأنها جاءت من نظام حكم مصر الذي أزاح الإخوان عن السلطة، وأفلح في تجنيب مصر الكثير من الكوارث التي كانت ستحلّ عليها وعلى المنطقة برمّتها، جراء فعائل وتصرّفات وسياسات مرسي وحكومته؟ ولم يختلف الأمر في العراق التي أهداها الإرهابيون المتأسلمون، عيديات سخيّة من التفجيرات التي أزهقت الكثير من الأرواح، وأحرقت الأخضر واليابس، وحوّلت فرحة العيد إلى أحزان وجروح لا تندمل، ولم تراع حرمة هذه المناسبة العظيمة التي جعلها الله فرحة لصيام شهر كامل. وفي ليبيا كان للعيد طعم أشدّ وأمرّ وأقسى، فتكبيرات العيد لم يسمعها أحد بسبب أصوات الرصاص والقذائف. وليبيا التي احتفلت قبل أقل من خمس سنوات بمثل هذه المناسبة وهي مستقرة، تحتفل هذا العام وهي تتحسّر على ماضيها، وقد تحولت من دولة إلى بقعة للفوضى وتصدير الإرهاب. وهكذا الأمر في اليمن، وغيرها من دول «الجحيم العربي»، أو الدول التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية. وتبقى هذه الصورة المقلوبة التي حملت الحزن في يوم يُفترض فيه أن يكون يوماً للفرح، لتؤكّد مغلوط الفهم التفسيري للإسلام من جانب أولئك الإرهابيين الذين تسببوا في ضعف دول المسلمين وأمتهم الإسلامية قبل غيرها من الأمم. فدولة الخلافة التي يجتمعون جميعاً في المناداة بها، ها هي ذي معالمها تتضح منذ البداية بتحويل حال المسلمين من الاستقرار إلى الفوضى وانعدام الأمن، وتحول رمضان الصائمين إلى رمضاء تقتطف أرواحهم بتفجيرات وطلقات طائشة تحصد أرواحاً لا تدري ماذا جنت، ولماذا تم قطفها بتلك الصور البشعة التي تناولتها مختلف المواقع والصور. وبدلاً من العبادة وبثّ فضائل التراحم والتقارُب والإيمان، ها هم يبثون الذعر، وينشرون الخوف والموت والدمار. والأرواح البريئة التي تُزهق معظمها مسلم، والبلدان التي يتم تدميرها بلدان للمسلمين، والبيوت التي تتم تسويتها بالأرض بيوت المسلمين، وبينما تتعالى صيحات جهادهم الزائفة ضدّ الكفار والمجرمين، يصوّبون بنادقهم باتجاه معاكس لترقد في صدور كل من نطق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويبقى تفسيرهم الواهي لاستهداف من يدينون الإسلام دون سواهم، بأنهم يوالون الكفّار، وهو تناقض كبير، خاصة أن العالم كله يعلم أن هذه المجموعات ليست سوى صنيعة تلك الاستخبارات التي يطلقون على سكان بلادها كلمة «الكفّار». السبب الثاني الواهي لجرائم جماعات الإرهاب والهوس الديني، والذي يسوقونه لتبرير فعائلهم الشنيعة، وتنكيلهم بأمّة الإسلام، هو محاربة الأنظمة القائمة، مع أنها كلها تنتمي للدين الإسلامي سواء في رموزها أو في دساتيرها المستقاة من ذات التشريع، غير أن رغبة هذه الجماعات في الإطاحة بتلك الأنظمة والاستيلاء على كراسي السلطة، هو ما يجعلها تغمض عينيها عن تلك الحقائق، وتتجاهل الحديث الذي يجزم بأن التقاء المسلمين بسيفيهما يدخلهما النار، ولا يريدون ترديد ما فرضه الدين الإسلامي على معتنقه من إكرام الأسير، والدعوة باللين، وحرمة دماء وأموال المسلمين والملل الأخرى، والافتراء على الله بالكذب، والأنكا من ذلك هو تجرؤهم على الافتاء المضلل، وكأنما أمانة الفتوى أمر يستحق كل تلك اللامبالاة، وقد بدأ أبوهم الروحي شيخ الفتنة هذه السُّنّةَ السيئة حينما أثار جدلاً بين العلماء باعتبار البوعزيزي شهيداً، ناسياً الآية الصريحة التي أمرت بعدم قتل النّفس التي حرّم الله بغير حق، وزاد الطين بلّة حينما أفتى بجواز خروج الرّعية على الراعي عندما بدأت بوادر «الجحيم العربي» الذي سرعان ما تحوّل لسراب خادع، وتراجع عن الفتوى بسرعة حينما تولّى المخلوع محمد مرسي حكم مصر، ليفتي بعدم جواز الخروج عن طاعة ولي الأمر حتى ولو كان ظالمًا، وهو يريد بذلك قطع الطريق أمام كلّ من تسوّل له نفسه محاولة اقتلاع شوكة الإخوان المتأسلمين من خاصرة الكنانة، وتبعه العديد من مدّعي الدين الذين تمّ إعدادهم لهذه المهمة، وتم الدّفع بهم عبر مختلف الوسائل الإعلامية، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي دخلت كل مكان، وهي أسباب وأفعال في مجملها قضت بتدمير المنطقة، وأدّت بالضرورة لتحويل تهاني العيد إلى أمنيات محبطة، بزوال ما حلّ بالأمة وأوطانها وحوّلها من حال إلى حال تمنّت الأمة فيه ألا ترى إرهابياً على وجه الأرض، فمشوّهو الإسلام عاثوا في الأرض تقتيلاً وتنكيلاً وإفساداً، وهو ما يجعلنا نناشد ما تبقّى من دول المنطقة أن تتحدّ لتزيل هذا الوضع المأسوي المغلوط، وحتى نتمكن من أن نقول في معايداتنا التالية، كل عام والأمة الإسلامية سعيدة وبخير، مع تمنياتنا القلبية بعودة الأمن والاستقرار.