الأهداف الحقيقية للعدوان على غزة.. وخيبة آمال تجاه الثورة الليبية استمرار العدوان على غزة، وانهيار الأوضاع في ليبيا، وتحدي بوتين للغرب، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. العدوان على غزة في مقال بعنوان: «هل تستطيع إسرائيل الخروج من فخ غزة؟»، حلل الكاتب بيير روسلين في صحيفة لوفيغارو أبعاد العدوان المتواصل على غزة، مؤكداً، في البداية، أن إسرائيل لن تستطيع تسوية مشكلاتها مع حركة «حماس» من خلال القصف الأعمى وحده لقطاع غزة. وبطبيعة الحال لا يستطيع قصف المدفعية والطيران والاجتياح البري وحتى فرض منطق عازلة تحقيق أية أهداف أكثر من تقليص محدود لقدرات إطلاق قذائف على إسرائيل، لا أكثر. ولكن سيبقى في مقدور «حماس» ادعاء تحقيق النصر، إذ يكفي الصمود في حد ذاته، أمام هجوم قوات عسكرية ذات تفوق ساحق. وأكثر من ذلك يأتي الثمن الإنساني الباهظ لهذا العدوان، الذي وقع فيه حتى الآن عدد كبير جداً من المدنيين الفلسطينيين العزل. وتعاظم وتفاقم أعداد الضحايا لا يتوقع طبعاً أن يؤدي بالمسلحين الفلسطينيين للتراجع أو تغيير موقفهم من إسرائيل، بل سيزيدهم راديكالية وتصميماً، وسيعمل في الوقت نفسه أيضاً على زيادة التطرف والعنف على أوسع نطاق. وإذا عدنا مع الذاكرة سنجد أن هذا السيناريو ذاته كان قد تكرر منذ سنوات قليلة، خلال صراعي 2008-2009 و2012. وعلى امتداد الزمن والسنوات لم يزد العنف إلا توسعاً وتأججاً، وبات عدد المتضررين منه صارخاً وغير مقبول أبداً، هذا في حين ظلت أسباب الصراع والنزاع مستدامة، وقائمة على حالها. وخلال السنوات تمكنت «حماس» من زيادة مدى مقذوفاتها، وامتلكت طائرات من دون طيار، وحفرت ومدّدت أنفاقاً بعيدة، ضمن استراتيجيتها في المواجهة. وتسمح لها شبكات الأنفاق تحت الأرض بالتزود بالسلاح دون تمكن إسرائيل من عرقلة ذلك، كما تستخدم الأنفاق تلك أيضاً للنفاذ داخل إسرائيل، ومهاجمة قواتها في بعض الحالات. هذا في حين اقتصرت استراتيجية إسرائيل على تكرار العودة للعدوان على غزة كل سنتين، أو ثلاث سنوات، بدعوى تدمير ترسانة المسلحين، ضمن نظرة قصيرة الأفق، تهدف لتحقيق هدف عسكري محدد: تقليص قدرات المسلحين الهجومية. ولكن هذه السياسة قصيرة النظر تصب أيضاً في صالح «حماس» على المدى البعيد، فالحركة تخرج من كل معركة بموقف معزز في حين تخرج إسرائيل بموقف مخزٍ وتذهب إلى مقاعد الاتهام أمام العالم بسبب العدد المرتفع من الضحايا المدنيين نتيجة لعدوانها، في كل مرة. وبمجرد توقف الصراع يعود المسلحون أيضاً من جديد لشق شبكات الأنفاق. وكانت «حماس» قد وجدت نفسها، هذه السنة، في موقف ضعيف، ولذلك قبلت الانضمام إلى حكومة الوحدة بقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية المعتدلة، ولكن مع نشوب هذا العدوان عملت العناصر الأكثر تطرفاً داخل الحركة على تجيير الصراع لصالح خطها. ويؤكد الكاتب أنه مثلما وقع في عدواني 2008 و2012 وقعت إسرائيل مرة أخرى أيضاً في فخ غزة. وقد أدى استمرار إطلاق الصواريخ والمقذوفات على إسرائيل إلى تفشي الراديكالية أيضاً في صفوف الرأي العام الإسرائيلي، الذي يطالب جيشه ببذل جهد أكبر والاستمرار في العدوان. ولكن حتى لو أرادت إسرائيل إعادة احتلال الأرض فلن يكون في مقدورها الاحتفاظ بها طويلاً، كما كانت تفعل قبل توقيع اتفاقات «أوسلو» في سنة 1993. فالجناح المسلح من «حماس» سيكون لديه الوقت الكافي لتنظيم هجمات وإلحاق خسائر لا تطاق بجيش الاحتلال. ولهذا فإن الاعتقاد بإمكانية القضاء على المسلحين وتحييدهم بالقوة يبدو مطمحاً عديم المعنى والجدوى. وحتى لو قضي عليهم، فسيظهر آخرون متشددون ليحلُّوا محل «حماس». وهنالك وجود محسوس الآن للتيارات السلفية، متغلغل في قطاع غزة. ويتساءل الكاتب أخيراً: كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة؟ مجيباً بأن عدد الضحايا المتفاقم منذ يوم 8 يوليو يجعل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار مطلباً ملحاً وضرورياً للغاية. ولاشك أن تعثر كل الجهود حتى الآن يقدم دليلاً على أن أية تهدئة مديدة لا يمكن ضمانها إلا بالتوصل إلى حلول مستدامة. ولتحقيق هذا يتعين إيجاد خريطة طريق يتم وضعها وفرضها على طرفي النزاع بدعم من أكبر عدد ممكن من الأطراف الدولية. وفي سياق متصل نشرت أيضاً صحيفة «لومانيتيه» تحليلاً سياسياً للكاتب «بيير باربانسي» تحت عنوان: «الأسباب الحقيقية للحرب الإسرائيلية على غزة» قال فيه إن كل الذرائع التي يرفعها نتنياهو في عدوانه على القطاع، من قبيل زعمه بأنه يريد تدمير الأنفاق، والقضاء على أية قدرات تسمح بمهاجمة إسرائيل بالصواريخ، كل هذا تمويه وذر للرماد في العيون، للتغطية على أهدافه الحقيقية، وأولها العمل على إفشال المصالحة بين «فتح» و«حماس» والسعي للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية في النهاية. ليبيا: غرق الثورة تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند افتتاحية أثارت فيها التحولات الدراماتيكية الأخيرة التي عرفتها ليبيا، وخاصة بعد تفاقم الصراع المسلح العنيف في مناطق كثيرة من البلاد، وتحديداً في العاصمة طرابلس، والعاصمة الاقتصادية بنغازي. والمفارقة أن العصابات التي تحرق ليبيا هذه الأيام يهتف أفرادها أيضاً قائلين: «دم الشهداء لن يذهب هباءً»، ولكن لم يعد ثمة شيء مؤكد، تقول الصحيفة! والحال أن البلاد ترتمي الآن في أتون مظلمة من العنف والفوضى العارمة، بل إن بعض الليبيين يقولون إنهم يأسفون على زمن القذافي- وهو الديكتاتور الذي ساهم «شهداء» الثورة في إسقاطه.. ولكن من أجل ماذا؟ فليبيا تتفكك، والمؤسسات السياسية- الإدارية النادرة التي بنيت بعد 2011 تنهار. والبعثات الدبلوماسية المهمة تتسابق في طريق المغادرة من البلاد واحدة بعد أخرى، وكذلك الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية. والعاصمة طرابلس، وبنغازي، والمدن الكبيرة، التي تضم نصف سكان البلاد البالغ عددهم قرابة 7 ملايين، كلها تحولت إلى مسرح لأعمال القتال الصاخب بين عصابات متحاربة. ومنذ أسبوعين لم تزدد المعارك إلا شدة وشراسة. ويكفي أن القتال يجري بالسلاح الثقيل في وسط المدن الآهلة بالسكان، وفي المطارين الكبيرين بطرابلس وبنغازي، حيث لا تكاد الرماية تنقطع! وبسبب القتال نشب حريق هائل في مخزن كبير للغاز والمحروقات يمكن أن ينفجر، على مشارف العاصمة نفسها. والأخطر من هذا كله أن مسلحين «جهاديين» تمكنوا من السيطرة يوم الثلاثاء الماضي على أكبر قاعدة عسكرية في بنغازي، ووضعوا أيديهم على مخزون كبير من السلاح والذخيرة من مختلف الأنواع. وإلى جانب النزاعات والحسابات الصغيرة هنا وهناك، يبدو الصراع الكبير مستحكماً ومستفحلاً بين معسكرين: من جهة قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المتجمعة ضمن ما يعرف بعملية «الكرامة»، وتدعمه عناصر من النظام السابق، وكذلك مليشيات مدينة الزنتان، في غرب البلاد. ومن جهة أخرى، هنالك أيضاً تحالف من «الإخوان» والجماعات الإسلامية و«الجهادية» المسلحة، تدعمه مليشيات من شرق ليبيا. وفي جو مرعب من أعمال الخطف والاغتيال وممارسات عالم العصابات وتصفية الحسابات والقصف العشوائي بقذائف المدفعية يعيش الليبيون في أجواء متفاقمة من انعدام الأمن. وحلم ليبيا متسامحة يتبخر. وبعد نظام القذافي القمعي القبلي جاء أيضاً حكم المليشيات القمعية القبلية. وكل هذا بعيد جداً من بناء دولة القانون، تقول الصحيفة. وبطبيعة الحال من المستحيل عدم طرح السؤال عن أسباب عدم تدخل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى، وهي دول دعمت ثورة 2011، وقد اتخذت القرار حينها لأسباب إنسانية، لحماية المدنيين الليبيين من القتل على يد قوات النظام السابق، ولذا وفي أحوال الفوضى والحرب الحالية التي تعصف بالبلاد، سيكون من الصعب أيضاً افتراض عدم الحاجة اليوم أيضاً إلى التفكير بالطريقة نفسها. بوتين.. ما العمل؟ تساءل الكاتب فرانسوا سبرجان في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون: ما العمل في مواجهة بوتين؟ محللاً بعد خلفيات الصراع المفتوح الآن بين سيد الكريملن ومعظم العواصم الغربية، على خلفية تدخله في أوكرانيا، ودعمه للقوى الانفصالية هناك، وقبل هذا وذاك ضمه لشبه جزيرة القرم إلى روسيا، وكلها مواقف زادت حالة الاحتقان والاستقطاب الشديدين بين موسكو والعواصم الغربية، وأدت، بالتبعية، إلى إصدار عقوبات اقتصادية غربية ضد روسيا. وقال الكاتب إن بوتين تحول بسرعة من كونه شريكاً شرفياً في مجموعة الثماني إلى خصم تصدر ضده العقوبات، الموجهة والمصممة خصيصاً للضغط على القطاعات- المفاتيح من اقتصاد بلاده، والمسلّطة تحديداً على أقرب حلفائه وحلقته المقربة ومصرفييه. واعتبر الكاتب أن الولايات المتحدة وأوروبا تمكنتا في النهاية من بناء إجماع على سياسة جديدة تجاه العقيد السابق في الـ«كي. جي. بي»، دون أن تعترف مع ذلك علناً بتغيير خطها. ولكن هل هذه العقوبات المبررة في حقيقتها فعالة وصارمة في النهاية، وهل هي قادرة على تحقيق الأهداف التي فرضت من أجلها؟ الملاحظ أن بوتين لم يتراجع في شبه جزيرة القرم. وهذا مؤشر على استمرار التحدي، وعدم تأثر حتى الآن بالضغوط الغربية. إعداد: حسن ولد المختار