هذا هو أول عيد يطل علينا هلاله بعد أن غاب عن الوطن نور فقيده الغالي، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه". ويأتي هذا العيد حزينا مكسورا، شاحب الوجه.. ففي القلب غصة، وفي العين دمعة، وفي النفس ألم وأنين على فقدان الوالد الغالي.. والوطن يرفض احتضان فرحة العيد في غياب باني نهضته.
ومهما فعلنا فإننا لن نرد جزءا ولو يسيرا من الأفضال والجمائل التي نثرها الفقيد العزيز في ربوع ديارنا، ولكن لعل أفضل عمل نؤديه هذه الأيام هو الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه بالدعاء والشكر على أعظم نعمة أنعمها علينا وهي نعمة وجود زايد الخير تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته.
ونحن حين تمر علينا هذه الأيام المباركة بعد شهر الصيام، لابد من القول انه حين يذكر التاريخ أولئك الذين صنعوا صفحاته وأيامه وأحداثه وملامحه المشرقة، وحين يذكر القادة والزعماء الذين حجزوا أماكن لهم في حركة التاريخ واستنهضوا آمال شعوبهم، فإنه يضع اسم زايد الخير "طيب الله ثراه" في مقدمة هؤلاء. ولابد من أن نعلم الأجيال القادمة أنه حين يذكر التاريخ أولئك العظماء الذين أعادوا بناء الحضارة، وأعادوا بناء صور الحياة وفق أحلام وأماني شعوبهم، وأولئك الذين ارتقوا بتلك الأحلام إلى آفاق من الرقي والتقدم والتمدن، فإن اسم الشيخ زايد رحمة الله عليه يقفز إلى المقدمة.
ونحن نعيش أيام عيد الفطر هذا العام، لابد من أن نعلم أبناءنا بأن الرجال الذين يصنعون التاريخ هم رجال يندر أن يجود الزمان بمثلهم، ذلك لأنهم نتاج لتحدي الأحداث الجسام، ونتاج لإيمانهم بأن قهر الصعاب هو من شيم العظماء، وأنهم لا يزدهرون ولا يبرزون أعلاما مضيئة إلا في الظروف التي تتطلب إرادة صلبة لا تتكسر ولا تلين.
وهكذا كان الفقيد الذي غاب عنا وجهه، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه.. نتاج حركة التاريخ في اللحظات التي يصنع فيها هذا التاريخ العظماء ورجال الأقدار. ونتاج ولادة مباركة لقائد فهم المعنى الحقيقي لتحدي الصعاب، فقهر كل ما يقف في طريقه ليزيل ركام التخلف والجهل الذي كان يغطي كل مساحات الوطن.. وليخرج الوطن من عزلة عن حركة الحياة في العالم، فيزرع في ربوعه بذور الأمل والتقدم والإخاء والرخاء بلا حدود.