رغم حداثة التجربة الديمقراطية في الخليج إلا أنها تواجه اليوم إشكالية جديدة لم تتوقعها في السابق وهي كيفية التعامل مع الديمقراطية والقوى السياسية الجديدة التي تقودها.
لا ينكر أحد بأن هنالك ضغوط داخلية وخارجية على دول الخليج العربية لتحديث أنظمتها لكي تتواكب مع المتغيرات الدولية السريعة والمتمثلة في إعطاء الشعوب دورا في إدارة شئونهم من خلال المشاركة السياسية أو البرلمان فأول تجربة ديمقراطية مباشرة في الكويت مضى عليها أكثر من 40 عاما ولحقتها البحرين التي لم يمض على تجربتها الجديدة أكثر من عامين .. الإشكالية الجديدة التي تواجهها الكويت والبحرين في تجربتهم الديمقراطية هي في وجود قوى سياسية جديدة قوية ولها شعبية واسعة ساهمت حكومات الخليج في توسيع قاعدتهم الشعبية لكنهم اليوم يواجهون إشكالية في كيفية التعامل معها.. قوى الإسلام السياسي في الخليج ليست حديثة النشأة فالإخوان المسلمون بدأوا عملهم في الخليج خصوصا في السعودية والكويت والبحرين منذ أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات خصوصا بعد حملة الرئيس المصري جمال عبد الناصر ضدهم في عام 1954 بعد حادث منشية البكري ومحاولة اغتياله.
دول الخليج العربية لعبت دورا رئيسيا في دعم حركات الإسلام السياسي لأنها تريدها أن تكون طوعية في يدها في محاربتها للتيار القومي واليساري في الستينات.. لكن سقوط التيار القومي بعد هزيمة 1967 وغزو الكويت عام 1990 لم يمنع دول الخليج من الاستمرار في دعم حركات الإسلام السياسي.. حتى حدثت كارثة 11 سبتمبر لتكتشف دول الخليج خصوصا السعودية بأن شبابها ساهم مساهمة فعالة في أحداث سبتمبر مما حتم على دول الخليج إعادة النظر في نهجها في دعم تيارات الإسلام السياسي .. فالحملة الإرهابية ضد السعودية دفعت السعودية ودول الخليج لاتخاذ سياسات أمنية وقائية للحد من التطرف والإرهاب في دولهم..
ماذا عن العمل السياسي المشروع؟ تيارات الاسلام السياسي موجودة بقوة في الكويت والبحرين ولديهم نواب في السلطة التشريعية في البلدين.. ما هي المشكلة الحالية مع هذه القوى السياسية الإسلامية التي تميز نفسها عن التيار الشعبي العام بأنها تمثل الإسلام الصحيح في هذه المجتمعات فهذه الحركات أو نوابها يتهمون المجتمع والدولة بالتقصير عن الوفاء بقيم الإسلام وتفرض نفسها بأنها قائمة بمهمة التذكير والدعوة للإسلام الصحيح حسب مفهومهم.. هذه الحركات السياسية وقعت في الكثير من الأخطاء بسبب " أيديولوجيتها" وعدم قراءتها للواقع السياسي والاجتماعي المحلي والدولي قراءة صحيحة ..
تختلف رؤية الحركات الاسلامية السياسية عن غيرها في المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية والمشاركة السياسية والتعددية الفكرية فهم لديهم مفهومهم الخاص للحكم ومصدرية القوانين الحاكمة له.. وهذا ما أدخلهم في إشكالية كبيرة مع الأنظمة العربية سواء في الجزائر ومصر والآن دول الخليج العربية.
فهم يحاولون استغلال الديمقراطية كوسيلة للوصول للسلطة وبعدها ينقلبون عليها.
ان حالة الصراع والصدام التي غيرت حركات الاسلام السياسي في علاقتها مع بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر والمغرب وتونس وغيرها بدأت تنتقل لدول الخليج العربية.. فاليوم يوجد صراع دموي وإرهاب في السعودية بسبب محاولة هذه الجماعات القفز على السلطة عن طريق الإرهاب ففي الكويت والبحرين تشكل حركات الإسلام السياسي إحدى أبرز قوى المعارضة في الخليج وعلاقة هذه الأنظمة مع هذه التيارات حتى الآن هي مهادنتهم ومحاولة الحصول على رضاهم وقبولهم لكن لكون هذه الحركات مؤدجلة ولا تؤمن بالديمقراطية ولا التعددية ولا بحق الآخرين في الحرية لذلك نتوقع أن يتم حسم العلاقة بين الطرفين قريبا لأن الحملة الدولية ضد الارهاب في عهد ولاية الرئيس بوش الثانية سوف تزداد ولن تهدأ ولن تتوقف في منطقتنا حتما.