حوار تفاعلي حول حكم «الإخوان المسلمين»
أثارت المقالات التي نشرتها في الأسابيع الماضية عن «التحليل النقدي للخطاب الإخواني» والتي تناولت فيها تقييماً لحكم الجماعة الذي قاده الرئيس المعزول دكتور «محمد مرسى» تحت إشراف مكتب الإرشاد بعض التعليقات المهمة من قبل قرائي الأعزاء. وقد أثار الدكتور «محمد الشاذلي» في تعليقه عدداً من الأفكار المهمة تتعلق بالديمقراطية بين النظرية والتطبيق. وهو في هذا المجال يحاول إرساء عدد من المبادئ الأساسية أهمها أن النخبة السياسية التي تطمح إلى حكم البلاد ينبغي عليها أن تضع مصلحة البلد فوق المصالح الشخصية.
أما الدكتور «أحمد الجيوشي» فقد ركز في تفرقة على مقدمة بالغة الأهمية ركزنا عليها في مقالاتنا وكتبنا المتنوعة بين آليات الديمقراطية وقيم الديمقراطية. الآليات تتمثل في إجراء انتخابات دورية نزيهة برلمانية أو رئاسية بحيث تكون نتيجة الصندوق وفقاً لأعراف الديمقراطية ملزمة وتتمثل في خمسين + واحد.
غير أن قيم الديمقراطية تنص على أن رئيس الجمهورية الفائز مهما كانت معدلات فوزه لابد أن يعلن أنه رئيس لكل أفراد الشعب: من انتخبه ومن عارضه. غير أن صاحب التعليق النقدي الموسع هو قارئنا الكريم الدكتور «علي فرج» الحريص على تتبع المقالات وتحليلها نقدياً، وأنا أستفيد كثيراً من آرائه وقد أصحح بعض توجهاتي بناء على نقده مهما كان لاذعاً.
وها هو يعلق على مقالي الأخير «من كان يحكم مصر» مقرراً في صدر تعليقه «أن المقال لم يوفق لا في العنوان ولا العرض ولا الخلاصة». ولأن الدكتور «علي فرج» أستاذ أكاديمي فهو لم يقنع بهذا الحكم القاطع، وإنما قدم حيثيات تفصيلية تستحق التأمل والنقاش. وقد فصل ملاحظاته في ثلاث نقاط أساسية. وقد قرر في الملاحظة الأولى رداً على تساؤلي من كان يحكم مصر، أن الذي كان يحكمها في الفترة من 1 يوليو 2012 حتى 30 يونيو 2013 هو الرئيس «محمد مرسي».
وهو يقصد بالطبع أن «مرسي» من الناحية الشكلية وبحكم القواعد الدستورية هو الذي كان يحكم. غير أنه ليس هناك ما يمنع – من وجهة نظر الدكتور «علي فرج»- أن يتلقى تعليماته ويستفي توجهاته من جماعة الإخوان المسلمين التي شبهتها أنها أشبه ما تكون بجامعة ماسونية سرية! وهو يظن وهماً أنه أقام الحجة عليّ حين ذكر أن الحزب «الجمهوري» بمبادئه هو الذي يؤثر في قناعات الرئيس «الجمهوري» وأن الحزب الديمقراطي- على العكس- هو الذي يؤثر في توجهات الرئيس «الديمقراطي».
ولذلك فلا تثريب على رئيس الجمهورية أن يلتزم بأيديولوجية حزبه وبالتالي ليس هناك ما يمنع أن يكون مرسي ملتزماً بأفكار جماعة «الإخوان المسلمين»، والذي هو أحد قياداتها، وهي التي رشحته ودعمته لكي يصبح رئيساً للجمهورية. ولكن فات الدكتور «علي فرج أن تأثر الدكتور مرسي بفكر جماعة الإخوان المسلمين عموماً شيء وأن يتحول – بحكم السمع والطاعة- إلى المندوب السامي لمكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» في رئاسة الجمهورية - بحيث ينفذ ما يمليه عليه هذا المكتب الغامض بأعضائه الذين لا نعرف أي شيء عن توجهاتهم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية- شيء آخر!
وقد أدهشني للغاية أن يقرر الدكتور «فرج» في نقطة أخرى أن جماعة «الإخوان» تمثل المدرسة النظرية لمن يحكم من قبل حزب «الحرية والعدالة»، وأضاف أن سائر الأحزاب في الدول الديمقراطية لهم مؤسسات نظرية! والمشكلة الحقيقية التي يتجاهلها- ربما عن غير علم الدكتور «فرج»-أن الإخوان المسلمين لا يمتلكون أي نظرية، وليس لهم أي تراث نظري ماعدا الرسائل المحدودة للبنا وفكر سيد قطب التكفيري، وبين الرسائل والفلسفة القطبية الإرهابية فراغ موحش!
أقول هذا بناء على تجربة عملية، لأنني كنت عضواً في جماعة «الإخوان المسلمين» منذ عام 1950 حتى عام 1954 ودرست في مدرسة «الدعاة» بشعبة محرم بك والعطارين بالإسكندرية لمدة عامين، ولم أجد أي مراجع نظرية ذات بال في هذه الدراسة السطحية. والدكتور «فرج» يشير في نقطة أخرى إشارة مهمة إلى دور جماعات الضغط المختلفة في الدول الديمقراطية ودورها في صنع التشريعات واتخاذ القرارات. وهذه حقيقة غير أن تشبيه جماعة «الإخوان المسلمين» بأنها كانت أشبه بجماعة ضغط غير صحيح، لأنها كانت هي الحاكمة الفعلية التي أقصت كل الآراء النقدية للمعارضة، ورفضت أن تقوم أي جماعة بدور جماعات الضغط. والدليل على ذلك إصرار جماعة «الإخوان المسلمين» أن تكون لها الأغلبية في تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور التي حكمت المحكمة الدستورية العليا ببطلانها، وأكثر من ذلك رفضها المطلق لاقتراحات القيادات الليبرالية واليسارية، والتي كانت ممثلة في اللجنة التأسيسية الثانية، مما دفعهم دفعاً إلى الانسحاب منها حتى لا يوافقوا شكلاً على دستور لم يتح لهم أن يضمنوه ما يروه أساسياً وفقاً لمعتقداتهم السياسية.
ويقول الدكتور «فرج» إن السؤال الرئيسي هو: هل من يحكم يحترم الوطن كله ويطبق القانون العام ويمتثل للدستور أولاً؟
ونرى أن هذه صياغة مثالية للغاية، لأنه لو رجعنا إلى الأمثلة التي ضربها من الخبرة الديمقراطية الأميركية، لوجدنا أن الرئيس الأميركي «الجمهوري» لا يحترم الوطن كله عادة، بل يحاول تحقيق الأهداف العليا للحزب «الجمهوري»، والتي قد تتعارض مع صالح الوطن. والدكتور علي فرج يصر على أن «الانقلاب الشعبي» كما عبرت عما حدث في 30 يونيو مجرد أكذوبة. ولكني أسأله كيف يفسر نزول ملايين المصريين لإسقاط «مرسي» استجابة لحركة «تمرد»، وهي حقيقة اعترفت بها الدوائر السياسية في العالم بالإضافة إلى وسائل الإعلام الدولية؟ وهل استجابة القوات المسلحة المصرية للإرادة الشعبية العارمة في ضرورة إسقاط حكم «مرسي» الذي كاد أن يوصل البلاد إلى حرب أهلية تعد انقلاباً عسكرياً؟ وتصل دهشتي إلى أقصاها من الدفاع المتهافت للدكتور «فرج» عن الإعلان الدستوري الديكتاتوري الذي أصدره الدكتور مرسي، والذي كان انقلاباً كاملاً ضد الدستور، بل وعدوانا شاملاً على المؤسسات القضائية والبرلمانية.
من حق الدكتور علي فرج أن يعبر عن رأيه في مقالي ويقول إنه لم يوفق من أوله لآخره، ومن حقي أن أقلده وأقول لا حول ولا قوة إلا بالله!