تحتل أخبار التنظيمات الإرهابية، مثل «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«الإخوان»، حيزاً كبيراً من اهتمام المسؤولين ووسائل الإعلام في دول الخليج العربية. وقد تأكد ذلك من خلال القرارات الأخيرة التي اتخذها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول محاربة وملاحقة الإرهابيين، ولومه رجال الدين على تقصيرهم، ودعمه المالي والمعنوي للجيش اللبناني، واتخاذ الحكومة الكويتية قرارات جديدة تحد من ظاهرة جمع التبرعات عن طريق الجمعيات الخيرية أو جمعيات النفع العام. وهناك مشكلة بين دول الخليج والتنظيمات الإسلامية في بلدانها، خاصة إثر التحاق بعض الشباب الخليجيين، وتحديداً من السعوديين والكويتيين، بالعمل الجهادي رغم مواقف الدولتين المعلنة ضد الإرهاب. لا ينكر أحد أن هناك خلافاً بين دول مجلس التعاون حول كيفية التعامل مع ظاهرة الإرهاب في دول الجوار، لاسيما العراق وسوريا واليمن، ثم لبنان أخيراً، هذا البلد الصغير الديمقراطي المسالم. دول الخليج اتخذت مؤخراً سياسات أمنية حازمة لمحاربة الإرهاب والحد من انتشاره وملاحقة تمويله وجذوره الثقافية والفكرية.. لكن كل هذا المجهود لم يحد من ظاهرة تنامي التطرف الديني والانخراط في العمل الجهادي وتكفير المجتمعات والدول. لقد أوضحنا في مقالات سابقة أن الإفراط في التركيز على الجانب الأمني، رغم أهميته، لن يحل المشكلة، لأن دول الخليج تغافلت وأهملت الجانب الثقافي والتربوي، بمعنى طرح بدائل جديدة ومختلفة للشباب بعيداً عن التشدد الديني وفرضه على المجتمع. دول الخليج تعمدت تكثيف البرامج الدينية في الإعلام والتربية والمساجد، وقد نتج عن تلك السياسة وجود شباب متدين ومتعصب، ينفي الآخر ويكفر المجتمع والدولة، لأن المناهج والخطب الدينية ليست معتدلة. والحقيقة التي لا تريد دول الخليج ولا شعوبها وتنظيماتها المدنية الاعتراف بها، هي أننا لم نستوعب خطورة ما يحدث في المنطقة العربية من أحداث دموية وحروب أهلية طائفية، بسبب زج الدين في السياسة. لقد حاول الكتاب والمثقفون والأكاديميون والإعلاميون والفنانون المستنيرون في الخليج تحذير حكوماتهم وشعوبهم من خطورة تنامي المد الديني وزج الدين في السياسة، لكن لا أحد يسمع أو يتعظ. والآن وبعد أن وقع الفأس في الرأس وبدأت «داعش» و«النصرة» تهدد لبنان ودول الخليج، تحركت هذه الدول. والسؤال: هل تحرُّكات بعض دول الخليج في محاربة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين ستحقق الهدف منها؟ دول الخليج عليها أن تحدد مسارها الجديد، وأن تتفق على سياسة ونهج جديد للحد من ظاهرة التطرف والإرهاب الديني، فلا يمكن اليوم الاستمرار بالنهج القديم الذي سارت عليه دول الخليج، فإذا لم تغير دول الخليج سياستها بصورة واضحة وواقعية وعملية، فإنها ستكون هدفاً لجماعات الإسلام السياسي، مثل «داعش» و«النصرة»، خصوصاً أن هذه الجماعات توجد بينها كوادر شبابية خليجية. مطلوب من دول الخليج توحيد سياساتها في مكافحة الإرهاب والتنسيق مع الدول الغربية والولايات المتحدة، التي لديها رصد واضح ودقيق حول المنابع الفكرية والمالية والكوادر الدينية التي تدفع بالشباب الخليجي للعمل الجهادي. وأخيراً تحتاج دول الخليج إلى إصلاحات جديدة تضمن كسب رضا الشعوب، بإشراكها في القرار ضمن دولة مدنية يحكمها القانون والدستور.