في عام 1948 هجمت سبع دول عربية، فاجتاحت حدود إسرائيل التي كانت تسمى دويلة العصابات، فانهزمت الدول السبع أمام إسبرطة الشرق الأوسط العدوانية، وولدت دويلات انقلابات زادت الأمور فيها سوءاً والطين بلة! وصعقت أنا حين قرأت أن جنود بني صهيون في حرب 1948 كانوا أكثر نفيراً وعدداً من كل جنود الدول العربية السبع! والآن بعد مرور 66 عاماً علينا أن نعترف بأن دويلة العصابات أصبحت بمثابة التنين النووي، وأن الدول العربية تتفتت إلى دويلات! (تأملوا العراق وولادة دولة داعش الكاريكاتير). والدولة العبرية في يوليو 2014 ضربت غزة من الأرض والسماء والبحر وما فعله العرب أمام النيران والأشلاء لم يكن سوى التفرج على ما يحدث. وحالياً انتهت حقبة، وبدأت حقبة جديدة، فلم يعد أمام إسرائيل ما تخافه من هجوم من أي دولة عربية، بعد الهجوم الأخير في عام 1973. لم يعد العرب يملكون أي طاقة للدخول في حرب ضد دويلة العصابات، بعد أن استنفدوا كل طاقة، وتحولت طاقتهم إلى حرب ضد شعوبهم، وتحول السنور إلى أسد غضنفر هو أسد بني إسرائيل! واليوم تنقشع أمام الفلسطينيين حقائق ثلاث في تقديري: الحقيقة الأولى، أنه لا أحد سيتدخل لمساعدة الفلسطينيين في المستقبل. والفلسطينيون ظهرهم إلى الحائط. إنهم لوحدهم.. ونحن الآن في العصر الصهيوني الصفوي، على ما يبدو! والحقيقة الثانية، التي ينبغي أن يحفظها أبناء غزة خاصة هي أنهم لا يحاربون دويلة العصابات بل نصف دول العالم، ومن قبل الغرب الذي أوجد دويلة بني صهيون بقابلة أوروبية، وربيت على يد وصيفة أميركية بكل الدلال المطلوب، لطفل تمت العناية منذ لحظة استقباله الحياة. وهذه الحقيقة استوعبها السادات في حرب 1973 حين قال أنا لست قادراً على هزيمة أميركا، بعد أن رأى تدفق السلاح عبر الجسر الجوي الأميركي. وعلينا أن نستوعب طبيعة العالم الذي نعيش فيه من ثلاث زوايا: أن بناء العالم الحديث لم نشارك في صناعته، ولذا كان غريباً علينا، فهو لنا مثل عالم السندباد البحري! وأن الحداثة لم ندخلها بعد، ومن جراء ذلك نعاني! وأن الغرب يملك العالم جواً وبحراً وبراً، وهو الذي يلعب بالعالم؟ أو هكذا أتصور. وقد ذكر الكاتب الليبي صادق النيهوم في كتابه «محنة ثقافة مزورة» أن ما يملك الغرب من ثروات العالم هو ثمانية ونصف من كل تسعة قروش؟ وحسب مالك بن نبي في تقسيمات العالم الحالية، فنحن ننتسب إلى العالم الفقير الجاهل الضعيف، الممتد من طنجة حتى جاكرتا، هذا من جانب دخل الفرد. حيث يقفز دخل الفرد السنوي في العالم الأول إلى 28550 دولاراً في السنة مقابل 1800 دولار لدخل الفرد السنوي من عالم عدده بالمليارات، بل وهناك مناطق فقر مريعة في العالم الإسلامي دخل الفرد فيها 600 دولار في السنة.. فأي بؤس نعيشه؟ في المغرب أعرف عائلة هرب من أفرادها خمسة من أصل ثمانية، ومن بقي منهم اثنان ليس لهم مستقبل. قال لي أهل بلدة خريبكة إن حصة إيطاليا هي من هذه البلدة. وعائلتي البسيطة شرد منها حتى الآن سبعة من أصل تسعة، وهكذا أصبح العالم العربي خزاناً للتصدير البشري؟ والحقيقة المهمة الثالثة، التي يتعين أن يستوعبها أهل غزة والضفة، هي أن يتخلصوا من سلاح لا يضر ولا ينفع ولا يملك موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل أزعم أنه يضر، فماذا فعلت صواريخ «حماس»؟ وعليهم ألا يجعلوا من «حزب الله» نبراساً وقائداً فها نحن نراه أين يقاتل الآن! في سفك دماء أطفال سوريا! إن حرب فلسطين ليست حرب لبنان! ونصيحتي لـ«حماس» أن تلقي سلاحها في البحر، وتتدرب على المقاومة المدنية غير المكلفة التي يولد فيها الإنسان محرراً من علاقات القوة، ولتبني مجتمعاً علمياً سلمياً، بل وتحاول أن تساهم في بناء مجتمع ديمقراطي علمي يتطلع إلى المستقبل، جل همه تعليم أطفاله وتدريبهم على روح المقاومة السلمية. أعرف أن مفاهيم من هذا النوع صادمة، ولكن لابد من قولها.