كانت "مؤسسة الإمارات للاتصالات" أو "اتصالات"، قبل تحرير قطاع الاتصالات، تمثل قطاع الاتصالات بكامله. وكان نهجها في السوق ما يسمى في علم الاقتصاد "الاحتكار الطبيعي" "Natural Monopoly ". والاحتكار الطبيعي هو منهج تقره كافة النظم الرأسمالية المتقدمة وتعتبره احتكاراً مقبولاً لا يتعارض مع فلسفة الأنظمة الرأسمالية ومنهجيتها الرامية إلى تحرير الأسواق. والاحتكار الطبيعي هو أشبه باحتكار الحكومة لبعض المرافق العامة مثل الكهرباء والمياه والغاز وسكك الحديد والمواصلات العامة والاتصالات وغيرها، وهو احتكار لا تشمله قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لأن هدف الحكومة من احتكار الخدمة هو المصلحة الاقتصادية العامة للمجتمع، وهو بالطبع يختلف عن هدف المحتكر في القطاع الخاص والذي يهدف إلى تعظيم أرباحه بغض النظر عمّا إذا كان ذلك يتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع أم لا. وبما أن الحكومة هي المالكة لـ 60% من أسهم اتصالات، وهي الشركة الوحيدة ولها حق الامتياز الحصري في القطاع بدون منافس، فقد حرصت الحكومة على أن تساهم هذه الشركة بشكل كبير وفاعل في خدمة الأهداف والغايات العامة للدولة وتحقيق المصلحة العامة التي تتفق مع السياسات الاقتصادية للدولة. وكان من ضمن تلك السياسات الاقتصادية هي سياسة التوطين. فقد حرصت اتصالات على أن تتميز في اتباع سياسات توطين تهدف إلى خلق كوادر وطنية متعلمة وذات كفاءة ومهارات عالية في مختلف التخصصات التي يتطلبها قطاع الاتصالات. فأنشات كلية الاتصالات للهندسة منذ أكثر من 10 سنوات، وأنشأت معهداً أكاديمياً، وبادرت بإنشاء جامعة ولم تستمر فيها بسبب تحرير القطاع، وأرسلت العديد من موظفيها المواطنين في بعثات علمية ودورات تدريبية خارجية لكي يتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة ويتدربوا على أحدث التقنيات. فلقد آمنت اتصالات بأن الإنفاق على الموظف المواطن في مجال العلم والتدريب هو استثمار حقيقي في الموارد البشرية. وأن هذا الموظف حتى وأن ترك الشركة ليعمل في مجالات أخرى (في المجال العسكري مثلاً) فهو سيظل استثماراً للدولة. ولقد وضعت المؤسسة كادراً خاصاً للمواطنين يعتبر الأفضل في كافة مؤسسات وشركات القطاع الخاص. ولقد استفادت المؤسسة من صدق المواطنين وإخلاصهم وتفانيهم في العمل والعطاء، حيث يشعر الموظف المواطن وكأن المؤسسة ملكه الخاص الذي لا بد وأن يضحي لأجله. وفي ذات الوقت استفاد المواطن من العلم والمعرفة والتأهيل العالي ومن الدخل العالي وما يرتبط به من تعويضات وبدلات توفره له المؤسسة أيضاً. فكانت المنافع متبادلة بين الطرفين.
وعندما قامت الحكومة بتحرير قطاع الاتصالات وإلغاء حق الامتياز عن "اتصالات"، كان لا بد لاتصالات من أن تراجع حساباتها في كل شيء، بما في ذلك بالطبع سياسة التوطين. ورغم أن الحكومة قد أبقت على ملكية 60% من أسهم الشركة بيدها إلا أن ذلك لم يمنع اتصالات من أن تميل إلى الهدف الذي يتطلع إليه أي مشروع في القطاع الخاص، ألا وهو هدف تعظيم الأرباح. ولكي يتمكن المشروع من تعظيم أرباحه فلا بد من أن يعمل على تعظيم الإيرادات وذلك بتوسعة نطاق السوق وتخفيض التكاليف. ويرتبط هدف تخفيض التكاليف بشكل مباشر بسياسة التوطين، وهذا ما نراه بشكل واضح وجلي في القطاعات الاقتصادية الأخرى كقطاع المصارف مثلاً. حيث أن مستقبل التوطين في قطاع الاتصالات قد يتأثر تأثراً سلبياً، فيما لو دخلت إلى السوق شركات أخرى منافسة، ولم تضع الدولة نظاماً يلزم تلك الشركات ببرامج توطين القوة للعاملة أسوةً بمؤسسة اتصالات القائمة حالياً. وأن دخول شركات جديدة إلى السوق هو أمر طبيعي متوقع، حتى وأن كانت مؤسسة اتصالات قد أسست ذاتها وكونت بنيتها الأساسية وأصولها الثابتة، وذلك نظراً لأن البنية الأساسية والأصول الثابتة في قطاع الاتصالات بطبيعتها سريعة التهالك المادي والفني معاً، وذلك نظراً لسرعة التطور التقني للقطاع.
ومن هذا المنطلق فإن "اتصالات" من المتوقع أن تبدأ سياسة توطين أكثر تحفظاً، وأن تحاول تقليل الاستثمار في رأس المال البشري في المدى القصير. أما إذا أتت شركات منافسة فسوف ترى "اتصالات" سياسة التوطين لدى الشركات المنافسة أولاً، وقد تكيف سياستها في التوطين وفقاً للمعطيات التي سوف تراها في حينها. وبالتالي فلا بد للدولة من أن تخطط لذلك وتضع برامج توطين في قطاع الاتصالات تكون ملزمةً لكافة الشركات، ومن ضمنها قد يتم وضع عقود عمل موحدة في القطاع لكافة المواطنين. وأن تحفُظ "اتصالات" وحرصها الشديد على تخفيض تكاليف الاستثمار في الموارد البشرية ينبع من عدة أسباب ومبررات أهمها الآتي:
(1) أن تكاليف القوة العاملة الوطنية تكاليف مرتفعة جداً عند مقارنتها بتكاليف القوة العاملة الوافدة. فعلى سبيل المثال لا الحصر تصل المخصصات التي تدفعها "اتصالات" إلى هيئة المعاشات حوالي 450 مليون درهم سنوياً، في حين تتراوح مخصصات مكافأة نهاية الخدمة للموظفين الوافدين ما بين 20 إلى 40 مليون درهم سنوياً. هذا فضلاً عن التكال