خيارات تل أبيب للتهدئة في غزة.. ونتنياهو «عدو الديموقراطيين» رئيس الوزراء الإسرائيلي هل بات خصماً للحزب «الديمقراطي» الأميركي ومن ثم إدارة أوباما؟ وما حقيقة تأجيل إرسال شحنة صواريخ «هيل فاير» الأميركية إلى تل أبيب؟ وماذا عن خيارات الدولة العبرية في قطاع غزة؟ تساؤلات محورية نعرض لإجاباتها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الإسرائيلية. عدو «الديمقراطيين» تحت عنوان «مشكلات أوباما الحقيقية مع نتنياهو»، كتب «ناعوم برينع» مقالاً في «يديعوت أحرونوت» يوم الثلاثاء الماضي، أشار خلاله إلى أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يقول إن هناك تباينات أيديولوجية بين أوباما ونتنياهو، لكن هذه التباينات ليست أساس المشكلة، بل إن الاختلافات تبدو شخصية بين الرجلين. هذا الاستنتاج توصل إليه الكاتب في معرض حديثه عن مقابلة أجرتها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة مع جيفري جولدبيج خبير الشؤون الشرق أوسطية في شبكة بلومبيرج وأحد كُتاب العمود في دورية «أتلانتك» العريقة، وخلال المقابلة، أفصحت هيلاري عن دعم بنسبة 100? للعمليات العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وللمواقف الإسرائيلية من السلطة الفلسطينية. ويرى «ناعوم» أن أي قارئ مطلع يستطيع التوصل إلى خلاصة من المقابلة مفادها أن هيلاري كلينتون ستترشح في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة المقرر إجراؤها عام 2016، وفي هذه الحالة هي بحاجة إلى الدعم اليهودي داخل الولايات المتحدة، وهي تنأى بنفسها عن مواقف باراك أوباما وسياساته الخارجية. الكاتب يقول إنه تلقى بعد أيام من نشر مقابلة جيفري جولدبيرج مع هيلاري كلينتون، طلباً من إحدى الشخصيات البارزة في اللوبي اليهودي الأميركي، المحسوبين على الحزب «الجمهوري»، بأن يقنع الإسرائيليين بأن كلينتون كاذبة وأنها في الحقيقة لا تؤيد إسرائيل. الكاتب يرى أنه ليس معتاداً على سماع مثل هذا الكلام من عناصر صهيونية موالية لإسرائيل حتى النخاع، لكن ما يبعث على الاستغراب هو مواقف شخصيات إسرائيلية بارزة، فمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عادة ما يؤيد مواقف رئيس الحكومة، لكن الاعتبارات السياسية عادة ما تصبح جزءاً من العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، وهذا يؤثر بدوره على الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وذلك على الرغم من أن الناخبين الإسرائيليين يتجاهلون أية تدخلات خارجية، كونها تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية. ويشير الكاتب إلى تدخلا أميركيا حدث منذ نشأة الدولة الإسرائيلية، إبان حكم بن جوريون، حيث قرر جيمس ماكدونالد المبعوث الأميركي إلى تل أبيب اعتماد ضمانات قروض للدولة العبرية حديثة النشأة آنذاك، لأن بن جوريون كان على وشك خوض انتخابات برلمانية أمام مناحم بيجن الذي اشتبه في تعاطفه مع الاتحاد السوفييتي، صحيح أن الموقف الأميركي تجاهل المشهد السياسي الإسرائيلي، لكن القرض تم منحه لتل أبيب وتم إنقاذ الإسرائيليين من المجاعة. إسحاق رابين حاول مساعدة ريتشاد نيكسون كي تتم إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة عام 1972، وسعى بيل كلينتون إلى مساعدة شيمون بيريز في انتخابات 1996، أما نتنياهو فحاول مساعدة المرشح «الجمهوري» مت رومني الذي نافس باراك أوباما في انتخابات 2012 الرئاسية. الآن لا يفصلنا عن انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس سوى شهرين ونصف الشهر، وهذه الانتخابات ستطرح جميع مقاعد مجلس النواب للاقتراع وأيضا ثلث مقاعد مجلس «الشيوخ»، وربما يفقد «الديمقراطيون» أغلبيتهم في مجلس «الشيوخ»، وفي هذه الحالة سيتمكن «الجمهوريون» من السيطرة بشكل كامل على الكونجرس، ولن يكون بمقدور أوباما تمرير أي قانون أو اعتماد أي ميزانية. انتخابات الكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل، هي الأكثر أهمية في النظام السياسي الأميركي، وستتأثر بها كافة الأحداث العالمية ابتداء من غزة إلى القاهرة والموصل وكييف، وهي من منظور أوباما ومنافسيه مسألة حياة أو موت. البيت الأبيض الذي يديره «الديمقراطيون» الآن ينظر إلى نتنياهو باعتباره «مقاتلاً» ضمن الحزب «الجمهوري» المنافس، خاصة في جناح «اليمين الأكثر تطرفاً» داخل الحزب، أي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أصبح عدواً سياسياً لأوباما والحزب «الديمقراطي»، من منظور المشهد السياسي الداخلي في الولايات المتحدة. رسالة خطأ للإرهابيين في افتتاحيتها ليوم السبت الماضي، وتحت عنوان «العلاقات الأميركية- الإسرائيلية»، رأت «جيروزاليم بوست» أنه يتعين على الإدارة الأميركية إدراك أن الإفصاح عن نزاع بينها وبين تل أبيب يبعث رسالة خاطئة إلى الإرهابيين. الصحيفة أشارت إلى تقرير صدر قبل أسبوعين مفاده أن سفينة محملة بالأسلحة كانت في طريقها إلى إسرائيل، تحفظت «البنتاجون» عليها، ما يعني حسب الصحيفة أن الإدارة الأميركية تبالغ في انتقادها لإسرائيل في وقت يفترض أن تبدي فيه واشنطن دعمها لأقوى حليف لها في المنطقة. السفينة المشار إليها كانت تحمل صواريخ من طراز «هيل فاير» المضادة للدروع، لكن تزامناً مع الحرب الأخيرة على قطاع غزة، من الطبيعي أن يتم التدقيق في مكونات الشحنة المتوجهة إلى إسرائيل، وهذا يأتي حسب المسؤولين الأميركيين كأمر طبيعي ولا يعكس تغييراً في السياسة الأميركية تجاه تل أبيب. ومسألة تسليم السلاح الأميركي في وقت الحرب لها سوابق عديدة تعود إلى نشأة إسرائيل، علماً بأن الدولة العبرية هي أكبر متلق للسلاح الأميركي، على سبيل المثال لدى إسرائيل أكبر أسطول من طائرات «إف- 16» خارج الولايات المتحدة. لكن الصراع بين إسرائيل و«حماس» و«حزب الله» وما يحدث من خسائر في صفوف المدنيين جراء هجمات الجيش الإسرائيلي جعل الأميركيين يمارسون إجراءات أكثر تدقيقاً عند تسليم السلاح لتل أبيب، خاصة في ظل تقارير صحفية تقول إن إسرائيل تحصل على السلاح الأميركي دون تدقيق وهذا يلحق الضرر بالمدنيين. الصحيفة ألمحت إلى افتتاحية نشرتها «وول ستريت جورنال» خلال الآونة الأخيرة، ومفادها أن إدارة أوباما تخوض حرباً ضد إسرائيل، وأن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن في أسوأ حالاتها منذ إدارة إيزينهاور. وهذا لا يتسق مع موافقة إدارة أوباما خلال الآونة الأخيرة على تخصيص 220 مليون دولار لتمويل «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ، حيث شكر وزير الدفاع الإسرائيلي نظيره الأميركي على هذا الدعم، ما جعل الخارجية الأميركية تصرح بأنه لا توجد أزمة في العلاقات الثنائية بين البلدين. وتفسر الصحيفة تأجيل وصول شحنة صواريخ «هيل فاير» الأميركية إلى إسرائيل، بأنه يأتي ضمن موقف أميركي يتمثل في تمهيد الطريق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وتل أبيب وإبرام اتفاق في القاهرة يضع نهاية للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. لكن الخوف من أن يفهم أعداء إسرائيل أن تأجيل الشحنة يعني استمرار تهديد «حماس» بمواصلة حرب إنهاك ضد الدولة العبرية. ومن المهم حسب الصحيفة أن تعمل واشنطن وتل أبيب معاً من أجل رأب أية تصدعات في علاقاتهما الثنائية، والسير في اتجاه مصالحهما المشتركة كالتصدي للتهديدات الإرهابية وتحقيق الاستقرار الإقليمي مع الدول المعتدلة مثل مصر. قرارات مقترحة في مقاله المنشور بـ«يديعوت أحرونوت» يوم الأربعاء الماضي، وتحت عنوان «على إسرائيل اتخاذ قرار بشأن غزة»، استنتج «رون بن يشاس» أن ثمة سلسلة من الخيارات التي قد تلجأ إليها تل أبيب لإنهاء الصراع في غزة، والحكومة الإسرائيلية بحاجة الآن إلى التدقيق في خياراتها واتخاذ القرار المناسب. الكاتب يرى أنه ثبت لإسرائيل مراراً وتكراراً أن «حماس» عدو لا يستسلم بسهولة، وكثير من الصبر والضربات المتكررة على نفاط ضعف الحركة أمر مطلوب للتصدي لها. الحد الأدنى من الأهداف الإسرائيلية تتمثل في منع «حماس» وغيرها من التنظيمات الفلسطينية الموجودة داخل قطاع غزة من إعادة التسلح، وعملية نزع السلاح هذه سيتم تأجيلها إلى مرحلة مقبلة، أو في إطار اتفاق طويل الأجل تتوسط في إبرامه مصر والسلطة الفلسطينية والدول العربية المعتدلة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. والكاتب يرى أن هذا الهدف يمكن تحقيقه بأدوات دبلوماسية أو من خلال عمل عسكري قد يتضمن هجوماً برياً على قطاع غزة. وفي إطار القنوات الدبلوماسية يطرح الكاتب، اتفاقيات ثنائية بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على أن تقبل بها «حماس» وتعلن تفعيل التهدئة. وفي هذه الحالة يمكن تشجيع الحركة من خلال فتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، وأن تطلق مصر والسلطة الفلسطينية وعوداً لـ«حماس» بأن تخفف تل أبيب ضغوطها على الحركة، وأن تقبل تفتيشاً فلسطينياً ودولياً على السلع التي تدخل القطاع، ضماناً بأن الحركة لن تعيد بناء قدراتها العسكرية، وهذا خيار لن يكون سهلاً. ويطرح الكاتب خياراً آخر يتمثل في تقديم التماس مصري أميركي إسرائيلي إلى مجلس الأمن، لإصدار قرار يشكل مظلة دبلوماسية لاتفاق طويل الأجل في قطاع غزة. إعداد: طه حسيب