التنظيم الدولي للإخوان المتأسلمين لجأ أخيراً لحيلة قديمة متجددة، هي اللجوء للمنظمات التي تعلن اهتمامها بحقوق الإنسان في كل مكان، وفي حقيقة الأمر تحتاج تلك المنظمات لوقفة متأنية، فمنظمات حقوق الإنسان في العادة ليست منظمات ربحية، ولا تعمل في التجارة والاستثمار، ولا تخضع لغير القوانين التي يجب أن تبقى مقياسها الأول والأخير، غير أن انكشاف حقيقة التنظيم الإخواني المتأسلم، كشف معه حقائق غير متوقعة عن العديد من تلك المنظمات، فمنظمة «هيومن رايتس ووتش» التي تمددت مساحات اهتمامها لأجزاء كثيرة من العالم، صدمت المجتمعات بوقوفها المعلن إلى جانب التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها التنظيم الإخواني، ورغم الفظائع الكبيرة التي ترتكبها تلك التنظيمات الإرهابية من سبي للنساء وبيعهن في أسواق نخاسة استحدثها قادتها، ورغم تجنيدها الأطفال، ودفعهم لإدمان المخدرات قبل استخدامهم كقنابل بشرية، ورغم صور الدمار المروعة التي ألحقتها تلك التنظيمات بالبنى التحتية للعديد من الدول، ورغم زعزعتها أمن واستقرار الكثير من المناطق، ورغم مجاهرتها بمنكر الأفعال من قبيل صور حقيقية لطفل يحمل رأساً مقطوعاً، ورغم استخدامها النساء فيما أطلقوا عليه «جهاد النكاح»، ورغم تسببهم في تشريد العديد من الآمنين.. فإن العديد من المنظمات الحقوقية المأجورة مازالت تصرّ على الوقوف معهم، وتعتبرهم ناشطين مضطهدين ومُعتدى على حقوقهم، إلى غير ذلك من توصيفات ومفاهيم تتناقض تماماً مع سلوكهم العام، في الوقت الذي تتهم فيه تلك المنظمات مختلف الشعوب والأنظمة التي تقف في وجه العبث الإرهابي لتلك الجماعات، بخرق حقوقهم والاعتداء عليهم، وما إلى ذلك من الهرطقات التي احتوتها التقارير البائسة لتلك المنظمات. وكانت معلومات مؤكدة رشحت عن العديد من وسائل الإعلام، أثبتت أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد تلقّت أموالاً من إحدى الدول المرتبطة بالتنظيم الإخواني المتأسلم، لكتابة تقارير مسيئة لدول بعينها اهتمت بمحاربة التنظيم والإرهاب، ولم تتأخّر التقارير الأمنية المصرية عن فضح علاقات المنظمة ببعض الدول المعروفة بدعمها للإرهاب، وبالتنظيم الإخواني، وذهبت لأبعد من ذلك بفضحها، الأسبوع الماضي، أسماء بعض المنظمات الحقوقية الدولية التي تتلقى تمويلاً من الخارج ومن تنظيم الإخوان الدولي، ومنها «هيومان رايتس ووتش»، و«ليبرتى»، و«المركز الدولي للعدالة الانتقالية» بنيويورك، و«منظمة المصريون الأميركيون لحقوق الإنسان»، و«التحالف المصري البريطاني لحقوق الإنسان»، بعدما أوضحت أن تلك المنظمات وغيرها تلقت تمويلاً من تنظيم «الإخوان» وبعض الدول منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن تجاوز 50 مليون دولار، بهدف تشويه سمعة مصر الدولية، وأن «منظمة العدل والتنمية» التركية لعبت دوراً في دعم هذه المنظمات، وتم تحمل تكاليف إنشاء مقر جديد لمنظمة «هيومان راتيس ووتش» مؤخراً في ولاية بنسلفانيا الأميركية، وهو ما يعزز رأي الكثير من المراقبين بأن بعض المنظمات الحقوقية تتخذ من موضوع حقوق الإنسان مطيّة للتجارة والربح، في تعارض مع ما تعلنه على الملأ من أهداف ومواقف. كما أنها لا تختلف عن التنظيم الإخواني المتأسلم في رفع الشعارات البرّاقة، والعمل بما يناقضها، لتصبح حقوق الإنسان مجرد شعارات فارغة المضامين. فالتنظيم الإخواني الذي أدرك حقيقة هذه المنظمات تمكّن من استغلالها عبر العطايا المالية، ليخدع الشعوب بأن ما تكتبه تلك المنظمات لا تدخل فيه أيادي التنظيم، باعتبارها منظمات أجنبية محايدة كما كان يعتقد كثيرون قبل سقوط أقنعتها وانكشاف أوراق التوت عنها، وفي ذات الوقت وبجانب استغلال المنظمات الحقوقية التي يستخدمها لتأليب الرأي العام الغربي على الشعوب والأنظمة التي تحاربه، يوغل التنظيم الإخواني في استخدام المزيد من أساليب السيطرة النفسية التي دربته عليها الاستخبارات الغربية التي قامت بتأهيل قادته لحرق المنطقة، ومن ذلك ما أشاعه شيخ الفتنة المدعو يوسف القرضاوي، الأب الروحي للتنظيم، بأن الله وملائكته، خاصة جبريل عليه السلام، يساندون أردوغان ويدعمونه! وهي واحدة من سلاسل الإشاعات التي دأب التنظيم على بثّها في مختلف أرجاء المنطقة، ومنها ما شهدناه على إحدى شاشات التلفزة في عهدهم، حيث تم عرض بطيخة كُتب عليها اسم الجلالة، وحاول التلفزيون نسج الكثير من الحكايات الخيالية حولها قبل أن يكتشف الجميع أن المزارع حفر على سطح البطيخة قبل أن تكبر «اسم الجلالة»، وكبرت، والحفر بالتأكيد لابد أن يكون أثره كأثر أي جرح على الجسم حتى بعد أن يبرأ، غير أن التلفزيون اعتبرها واحدة من معجزات نصر الله لـ«الإخوان» في زراعتهم إبّان حكمهم. وفي العقد قبل الأخير من القرن الماضي أشاع الإعلام الإخواني إشاعة الثعابين المقدسة التي يرسلها الله لابتلاع الدبابات والكتائب القتالية في أفغانستان، وأيضاً الملائكة التي تحارب مع المقاومين في غزة، وأسراب النحل التي تقاتل في الشيشان تحت إمرة المجاهدين، وعن ظهور اسم الجلالة مرة في جذع شجرة ومرة على جناح طائر.. وما إلى ذلك من أساليب خداع البسطاء من تابعيهم، والذين يحرصون دائماً على ترويج تلك الإشاعات على أوسع نطاق. كل هذه الجهود والمكائد الإخوانية المستميتة لإعادة ما خسروه، لم تْجد نفعاً بعد انكشاف أمر هذه الجماعة الإرهابية وفضيحتها وفضائح نسلها من التنظيمات التكفيرية الأخرى، التي أصبح العالم يشمئز حتى من ذكر أسمائها الكريهة. ومع ذلك فرب ضارة نافعة، لأن هذه الجهود كشفت بشكل سافر فضيحة هذه المنظمات الحقوقية الدولية، التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بعد أن ثبت دفاعها عن جماعة إرهابية ظالمة من أجل من يدفع أموالاً أكثر. ألا تخجل هذه المنظمات من هذه السمعة بعد أن شغلت نفسها بالدفاع عن قتلة ومجرمين، خانوا أوطانهم وتآمروا عليها، وبعد أن صمّت آذانها عن أنات الثكالى واليتامى وآهات المنكل بهم، وتعامت عن دماء المقتولين ظلماً وعدواناً، وتغافلت عن بؤس المهجرين والمشردين، وضياع المخطوفين والمعتقلين بغير حق في معظم بلدان الشرق الأوسط من الفقراء والمعذبين، في أبشع مشهد لانتهاكات حقوق الإنسان، التي لم تر العصور الوسطى له مثيلاً، ولا حتى الحقبة النازية، وكل ذلك تسبب فيه «الإخوان» وتلامذتهم من «القاعدة» و«داعش». وهذه الأساليب بالتأكيد تقع ضمن انتهاك حقوق الإنسان في التضليل عن معرفة الحقائق، وتقع مباشرة في الاتجار بتلك الحقوق، فإلى أين يريد «الإخوان» الوصول بعدما تأكّد لهم أنهم مرفوضون من كل الشعوب والملل؟ إنه سؤال مشروع: لماذا لم تتحرك حمية هذه المنظمات المشبوهة ولم يعل صوتها إلا من أجل الدفاع عن الظالمين لا عن المظلومين؟ ولماذا نسيت الأبرياء ولم تنبر إلا للدفاع عن المجرمين؟ للأسف، هذه المنظمات ضيعت الأمانة وشرف المهنة وصحوة الضمير.