قرار غزو العراق وهو بالطبع قرار أميركي أحادي صرف لم يحقق للولايات المتحدة الأمن، ولم يضمن لواشنطن نصراً حاسماً ضمن ما تسميه ارهاباً. ومن الصعب أن نسمى الغزو حرباً خاصة وأنه لا توجد مقارنة بين الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية في العالم والتي تستخدم تقنيات فائقة الدقة، وبين القوات العراقية التي أنهكتها الحروب الطائشة وقضى الحصار على قوتها. كل الحقائق والدلالات تشير إلى أن إدارة الرئيس بوش التي ستحكم أقوى دولة في العالم لأربعة سنوات مقبلة ضخمت كثيراً من التهديدات التي تتعرض لها أميركا ونجحت إلى حد كبير في جعل الأميركيين يصدقون كثيراً من الأوهام التي يصعب أن يقتنع بها عامة الناس في عصر يموج بالفضائيات ووسائل الاعلام المرئية. وفي معرض الحديث عن سياسة ترويج الأوهام يأتي العراق كخير دليل على هذه السياسة، فإدارة الرئيس بوش وظفت آلتها الإعلامية والدبلوماسية للترويج للحرب على العراق استناداً إلى حزمة من المبررات أهمها: أن صدام حسين كانت لديه أسلحة دمار شامل، وأن العراق له علاقات بتنظيم "القاعدة". لكن حتى الآن لم تستطع ادارة بوش اثبات صحة هذه الأوهام أو بالأحرى المزاعم. ومن الواضح أن إدارة الرئيس بوش بنت قرار الحرب على اعتبارات جيو استراتيجية امبراطورية، ولم تكن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة إلا مطية لحشد الرأي العام الأميركي والدولي لتأييد قرار الحرب، واشنطن لم تقتنع بأن العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على النظام العراقي السابق حالت دون تطوير صدام حسين أسلحة دمار شامل، وراحت تسوق للحرب داخلياً وخارجياً وكأنها متأكدة تماماً من امتلاك صدام هذا النوع من الأسلحة. والآن بعد ما اتضح زيف المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى أن العراق كانت بحوزته هذه الأسلحة انكشف زيف الإدعاءات الأميركية، وانهمكت إدارة بوش في البحث عن مبررات جديدة للحرب، لكن للأسف الشديد بعد فوات الأوان، وبعد أن سقطت آلاف الضحايا، وأصبح العراق ساحة كبيرة للفوضى. ومن الأوهام الأميركية وهم نشر الديمقراطية في بلاد الرافدين أو جعل العراق نموذجاً يُحتذى به في منطقة الشرق الأوسط، وواقع الحال يشير إلى أن الوقت لا يزال طويلاً أمام العراقيين كي ينعموا أولا بالاستقرار ثم يفكرون في مرحلة لاحقة في الديمقراطية وسيادة القانون. وحول علاقة العراق بتنظيم "القاعدة"، فإن تقارير أميركية أكدت أنه لم تكن ثمة علاقات تعاون بين صدام حسين وهذا التنظيم الإرهابي، ما يؤكد أن المسألة لا تتجاوز مسألة التبرير للحرب الاستباقية الأحادية التي تفتقر إلى الشرعية الدولية.
أسامة محمد - أبوظبي