أخيراً بدأ مزاج العطلة في التراجع، فالعطلة التي بدأت منذ أول أيام رمضان استمرت إلى هذه الأيام التي تعكس هروباً قاسياً من الأجواء الساخنة وصيفنا الحار. لكن هل رمضان عذر؟ فالأجواء التي تؤدي إلى تأجيل أعمال الناس والهروب نحو إجازات بالجملة، جعلت بعض المؤسسات خاوية على عروشها؟ الإجازة حالة صحية، ومهمة لتجديد الطاقة وتصفية الذهن، لكن لابد من زراعة ذهنية جديدة لا تتأثر بأجواء العطلات التي تتسبب عادة في ظهور حالة من الركود، يتخذها البعض ذريعة أو سبباً في تعطيل الأعمال. فمع بداية العام الدراسي هذا الأسبوع، واستئناف الأنشطة التدريبية، انتعشت الأجواء، وأصبح الاهتمام ينصب على اختراق مزاج التأجيل، والعودة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى. وعاماً بعد عام يزداد الأمر كثافة، فلا أحد يتجه لتدارك مثل هذا الكسل، الذي يمتد لفترة تصل إلى ستين يوماً، والذي يعزز من قلة الأداء وتقليل الإنجاز. وربما كان على بعض المسؤولين أن يتحولوا إلى قدوة، من خلال التواجد أثناء موسم العطلات في المؤسسات التي يديرونها، ذلك لأن وجودهم على رأس المؤسسة، يشجع موظفيهم على أن يحذوا حذوهم، فالصيف تحول إلى ركود مخيف بعد أن كنا نعتبر من ينام فيه غير قابل للانخراط في العمل أو غير مستعد للنجاح. وكأنها ظاهرة تفشت في كل أرجاء البلاد، ويمكن اعتبارها ظاهرة لا تستحق الاهتمام، لكنها في حقيقة الأمر جديرة بالاهتمام، وتأتي ضمن محاولة إيجاد المخارج والحلول للتخلص منها؛ خاصة وأن المدة الزمنية طويلة جداً، ولا يمكن أن يأتي حال اعتبارها إجازة عادية بالإمكان تجاوز تبعاتها. هل هي أزمة إدراك لحقيقة الأعمال المناطة بهم، ولأهمية الإنجاز في العمل؛ وقد تكون فعلاً ضعفاً في الولاء المؤسسي وعدم معرفة حقيقة الأعمال الإدارية التي يجب التعاطي معها بوعي واهتمام مهما كانت المهام صغيرة من وجهة نظر البعض. فالمجتمع النشيط العامل والمؤمن بدوره يتمتع أفراده بالرضا عن الذات وبالأمانة في أداء مسؤولياتهم، ويصبح الإنجاز هو لسان حال عملهم اليومي غير قابل للمساومة مهما كانت الظروف أو الأعذار. نحن في حاجة فعلية إلى إعادة تفعيل الكثير من المفاهيم المعطلة للعمل ولمصالح الناس، وبحاجة إلى إعادة تقييم لمفهوم الإجازة والعطلة، وأهمية الموازنة بين العمل والعطلة، على اعتبار أن الأخيرة ضرورية لمواصلة العمل والتألق في انجاز المهام الوظيفية. فلا شيء أصعب من التسويف أو التأجيل، فالخطورة تكمن في أن المفهومين يمتدان إلى أن يصلا إلى تفاصيل الحياة الشخصية، فلا يقف الأمر عن العمل، بل يمتد ليصل إلى كل الحياة هو الأمر الذي يعين في النهاية على حياة ملأى بالأمل والطموح وتحقيق الأحلام. فلا قاتل أخطر من التأجيل، لذلك كان من المهم إعادة تعريف المفاهيم، من أجل تحديد الكثير من الأفكار، التي اعتاد عليها البعض وتحولت إلى نوع من الملل، لا يعترف بالحياة من الأساس، فمفهوم العمل حياة لابد أن يكون شعاراً أساسياً يتم تطبيقه، وليس فقط الاكتفاء بترديده دون أي ممارسة.