تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تمكين المواطن من الاضطلاع بدوره في تطوير المجتمع الذي يعيش فيه، وبعد إعلانها عام 2013 عاماً للتوطين، أطلقت الدولة في مطلع العام الجاري «الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021»، وفي إطارها وضعت عدداً من الأسس والمعايير لتوطين الوظائف، بما يتوافق مع المصلحة الوطنية. وجاءت المبادرة من قبل «الهيئة الوطنية للمؤهلات» مؤخراً لتؤكد بدورها هذه المعايير، إذ تستهدف الهيئة توفير 61 ألف وظيفة للمواطنين في قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الخدمات الحكومية وغيرها من القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية الخاصة، بما يضمن الوفاء بشروط الأمن الوطني ويحقق أهداف التوطين ويضمن تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية. وهناك أهمية لتحديد معايير توطين الوظائف على هذا النحو، في ظل غياب العنصر المواطن عن العديد من الوظائف في التخصصات العلمية الدقيقة. وبحسب «هيئة المعرفة والتنمية البشرية» في دبي، فإن سوق العمل الإماراتية بحاجة إلى نحو عشرة آلاف من المهندسين الإماراتيين في تلك التخصصات، لاسيما في مجال الطاقة النووية، حيث تحتاج «مؤسسة الإمارات للطاقة النووية» إلى نحو ألف موظف لتشغيل المحطات الإماراتية للطاقة النووية بحلول عام 2020، ما يستلزم كفاءات بشرية مواطنة من مهندسين وفنيين ومديرين وغيرهم؛ للمساعدة في تحقيق أهداف الدولة في توفير طاقة آمنة نظيفة صديقة للبيئة في إطار توجهها نحو التنمية المستدامة. أهمية تحديد معايير التوطين أيضاً تأتي في ظل ما أثارته جهات رسمية من تسرب وظيفي للمواطنين في العديد من المهن التخصصية، فيما يتنافى مع شروط الأمن الوطني، علاوة على تضاربه مع أهداف التوطين، وقد حذّرت «اللجنة المؤقتة لمناقشة موضوع التوطين في القطاعين الحكومي والخاص» بالمجلس الوطني الاتحادي، مؤخراً، من استقالة المواطنين من بعض هذه الوظائف. وبحسب دراسة أعدتها «الهيئة الاتحادية للموارد البشرية» ارتفع عدد تاركي الخدمة في الوظائف الحكومية في نهاية الربع الأول من العام الجاري، في تخصصات مثل: مدير مدرسة، ومراقب مالي، وطبيب أخصائي، وهي تخصصات تشهد نقصاً في أعداد المواطنين العاملين بها. وتزامن هذا التسرب من هذه التخصصات مع انخفاض عدد المعينين الجدد من المواطنين فيها. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن النسبة الكبيرة من تاركي هذه الوظائف هم من حملة شهادة البكالوريوس والدراسات العليا، ما يمثل كذلك إهداراً للكفاءات المواطنة، الأمر الذي يدعو إلى محاصرة هذه الظاهرة قبل تفاقمها. وعلاوة على مشكلة نزوح الكفاءات البشرية المواطنة من الوظائف النوعية، تعاني جهود التوطين بعض الممارسات غير المنضبطة من قبل بعض جهات العمل، كالتحايل في احتساب نسب التوطين، أو قيام المؤسسات بإنهاء خدمات بعض المواطنين لمبررات غير سليمة، ما قد يسهم في تكريس النظرة السلبية لدى الكوادر البشرية المواطنة تجاه العمل في قطاعات وتخصصات بعينها، وعزوفهم عنها، لأسباب تتعلق بغياب الأمان والاستقرار الوظيفي، وتداعيات ذلك على الاستقرار الاجتماعي والأسري للموظفين. وفيما يتعلق بشروط النمو والتنمية الاقتصادية، فلابد أن يتوافق التقدم في نسب التوطين مع مستوى النمو والتنمية المتحقق على أرض الواقع، وهو ما تسعى إليه دولة الإمارات العربية المتحدة وتحرص على تطبيقه والوفاء به ضمن استراتيجياتها وأجنداتها الوطنية؛ وذلك من أجل ضمان استفادة المواطنين من عوائد التنمية بشكل آني وعادل من ناحية، ومن أجل ضمان استدامة النمو والتنمية من ناحية أخرى، من خلال تحقيق هذا النمو والتنمية بالاعتماد على سواعد أبناء الوطن. -------- عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.