برغم ما حققته دولة الرفاه من سعادة للإنسان بسبب ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم حصول الإنسان العادي على كل شيء تقريباً من ملابس نظيفة وأكل جيد وسيارة حديثة ومنزل مريح، برغم كل هذا، ضاع في المقابل طعم ورائحة (الجديد) في الحياة. ففي أيام الفقر التي لحق جيلي على أواخرها كان الواحد منا ينام مع إخوته حتى ولو كانوا عشراً عدداً، ولا يقتني أكثر من ثلاثة إلى أربعة دشاديش، وغالباً ما نلبس ملابسنا بدون كوي ولا نحصل على الألعاب إلا في مناسبات العيد أو من القادمين من الحج، وبشق الأنفس، وغالباً ماتكون أيادينا خاوية من المال، فالمصروف بالكاد يكفي لشراء شيء واحد، وكذلك الأمر مع بقية متع الحياة· وفي ظل هذا الفقر وهذه الندرة وسيادة عقلية عدم جواز تدليع الواحد حتى يصير رجلاً ويعتاد الشدة، كنا ننتظر المناسبات التي تتيح لنا شيئاً من المال والملابس الجميلة أو حتى الحلويات، مثل ليلة نصف رمضان، وأيام العيد، خاصة عيد الفطر· لقد كان الطفل يفرح وهو ذاهب مع والده أو البنت مع والدتها إلى الخياط لتفصيل دشداشة أو فستان العيد، وكذلك شراء الحذاء، وربما يرضى عليك الوالد فيشتري أكثر من قطعة ملابس، وكنا ننتظر العيدية بفارغ الصبر، دع عنك الانشغال ليلة العيد بهذه المشتريات، وبرغم أن ما نحصل عليه من مال (عيدية)، نعلم تماماً أن جزءاً منها سيذهب للأهل، لأن وجود المال بيد الولد مفسدة. وبرغم هذا الجبروت كنا نفرح، وكان الناس يفرحون.
اليوم ومع كل هذا الخير، نلاحظ أن المصلين لا يسلمون على بعض في المساجد إلا على من يعرفونه، وكل واحد واضع حذاءه بين قدميه خشية السرقة -آمل أن الوضع أحسن في الإمارات- والأولاد بسبب الرفاه لا يريدون في العيد سوى الفلوس! لا يهتمون بالجديد الذي يلبسونه لأنهم يلبسون الجديد دائماً، والمال بيدهم بشكل شبه دائم، فقط في العيد تزداد كميته، وهو الأمر الوحيد المفرح، ثم التأخر في النوم صباح العيد، حيث خلافاً للماضي، نجد الكبار في السن فقط يحرصون على المعايدة بعد الصلاة، وبذلك أخذ العيد يفقد بريقه، وأخذ كثير من الناس في السفر عن البلاد قبل العيد أو ثاني يوم منه هارباً من البلد حتى يستمتع بعطلة الكام يوم، وأصبح العيد مكلفاً بسبب ارتفاع الأسعار، وما يصرف في العيد كعيدية، وخاصة أن الواحد غالباً ما يكون مكسوراً بسبب نفقات رمضان غير المعقولة· وباختصار، لم يعد هناك طعم للعيد كما كان الوضع في السابق، فهل سبب ذلك عدم وجود الفقر في حياتنا بشكل عام؟
أعتقد أن في الحرمان مغزى مهم جداً يتمثل في ظهور البهجة والفرح حين ذاك، ولو مؤقتاً، والعيد أيام الفقر والحرمان من الملابس الجديدة والألعاب والفلوس، يجلب البهجة للنفوس خاصة للأطفال حيث يتاح لهم نوعية جديدة ولو قصيرة من حياة مختلفة عن بقية أيام السنة، خاصة عيد الفطر الذي يأتي بعد عشرة أشهر من عيد الأضحى، وقد اقترحت على أحد الأصدقاء أن نحرم أولادنا من المصروف في الأسبوع السابق للعيد حتى يفرحوا بالعيدية، فأجابني: صير عاقل، وخلي الدنيا ماشية!
بصراحة لم يعد للعيد طعم ورائحة الأيام القديمة، ربما لأنني الآن أدفع من جيبي، في حين أنني كنت آخذ من الآخرين أيام طفولتي وشبابي. ومع هذا كله لا نقول سوى كل عام وأنتم بخير في ظل عهدكم الجديد.