أمن أميركا القومي.. رسالة إلى أوباما
لا تكاد أكثر الكلمات المفعمة بالأسى تعبر عن وحشية ودموية من يطلقون على أنفسهم لقب «الجهاديين» في الشرق الأوسط هذه الأيام. وربما يكون الأسوأ والأكثر مدعاة للقلق هو مشهد الرئيس الأميركي العاجز، أو الذي لا يريد تبيّن واستجلاء المدى الحقيقي للخطر الذي يحدّق بأميركا وحلفائنا، والذي يتخذ موقفاً متردداً أو يختار أنصاف الأحكام والحلول في ردّه على هذا الذي يحدث.
من المؤكد الآن أن القوى الإسلامية الراديكالية بدأت تتحرك. وفي سوريا، قتل ما يقارب 200 ألف إنسان. وهناك الملايين من المهجرين والنازحين. وفي العراق، لا يتورع «الجهاديون» عن ذبح المسلمين والمسيحيين وبقية الأقليات. وفي غزة، أطلق «الراديكاليون» المتطرفون أكثر من 3800 صاروخ من أجل قتل المدنيين الإسرائيليين. وأصبح «الجهاديون» يستترون تحت أسماء مختلفة، مثل «داعش» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ويعتمدون في حربهم الدموية خططاً تكتيكية متنوعة، وهدفهم الإطاحة بحلفائنا من العرب، وإقامة الخلافة الإسلامية ليقوموا بعد ذلك بإطلاق سلسلة من الهجمات الكارثية ضد الولايات المتحدة. فكيف يمكن للعقل أن يتصور بعد كل هذا أن نرى أوباما وهو يبدو مهتماً بممارسة لعبة الجولف بأكثر من الوقوف إلى جانب أصدقائنا وحلفائنا في خضمّ هذه الحروب الشعواء التي تهدد أمننا الوطني أيضاً؟
وكان الرئيس يردد على مسامعنا بشكل متكرر بأن «القاعدة في طريق الزوال» و«لقد هزمنا القاعدة». إلا أن سياساته المتراخية هي التي سمحت لـ«الجهاديين» بأن يصبحوا أقوياء إلى هذا الحد. في عام 2011، أطلقت تحذيراً من خطورة سياسة الرئيس في العراق التي تميزت بالغباء والإهمال، خاصة من حيث فشله في إقامة علاقات فعالة مع القيادة العراقية، وقراره الذي يتصف بالتهوّر والاستعجال بسحب القوات الأميركية مع حلول نهاية ذلك العام. وكان كل ذلك يعني بأن الولايات المتحدة ستخسر حربها في العراق لتخلق بذلك البيئة المناسبة التي سيستغلها «الجهاديون» الإسلاميون الراديكاليون للتسلل إلى هناك، والآن بات واضحاً بأن تحذيري كان في محله.
وهناك طريقة لتصحيح هذه الأخطاء وإعادة الأمور إلى نصابها. وعلى الرئيس أن يهاجم الآن وعلى الفور تنظيم «داعش» ويمنعه من إقامة «خلافته المزعومة». وأنا أقول له بملء الفم: اضربهم من الجو بقسوة وفي الصميم وبلا توقف. ولقد اتضح أن الضربات الجوية الخفيفة فعلت فعلها وأوقفت تقدم «داعش»، إلا أن السؤال المطروح: هل يقبل الرئيس بوجود دولة في قلب منطقة الشرق الأوسط يحكمها هؤلاء المتطرفون؟. لا شك أن الضربات الجوية العنيفة أصبحت مهمة الآن لمنع حدوث مثل هذا الأمر.
وأنا أقول له أيضاً: سلّح الأكراد. وذلك لأن الشعب الكردي في شمال العراق يقاتل من أجل الدفاع عن حياته وبقائه. ولقد أثبت الأكراد منذ وقت طويل صداقتهم مع أميركا. وبرهنوا على أرض الواقع أنهم شعب مسلم مسالم ومعتدل. وحاولوا إنشاء ملجأ آمن لحماية المسيحيين وبقية الأقليات النازحة هرباً من بطش «داعش» ووقفوا إلى جانبهم. زوّدهم بالسلاح الفعال الذي يساعدهم على الدفاع عن أنفسهم.
وعليك أن تساعد رئيس الوزراء الجديد. لقد رحل نوري المالكي، وهذا خبر سار، إلا أن حيدر العبادي رجل جديد على الساحة السياسية العراقية لم نختبره بعد. تعاون معه، وأظهر له وللشعب العراقي أن أميركا لن تتركهم وحيدين. ووجّه إليهم النصح بإقامة ديمقراطية جامعة لا تقصي أحداً ويمكن أن تلقى ترحيباً وتأييداً من السنّة والشيعة جنباً إلى جنب مع المسيحيين والأكراد وبقية الأقليات والمجموعات البشرية. ولا تتردد عن تجهيز بغداد بنظام للمراقبة الجوية المتواصلة، ولا تتأخر عن تقديم المزيد من مساعدات التدريب العسكري والدعم اللوجستي للعراقيين من أجل استعادة اليد الطولى ضد الراديكاليين. وأقول لك: قف بجانب إسرائيل من دون تردد. ادعم أصدقاءنا العرب، المصريين والأردنيين والسعوديين وتلك الدول الخليجية التي بدأت تستشعر خطر الإسلاميين الراديكاليين. واعلم أنهم جميعاً يريدون العمل مع الولايات المتحدة جنباً إلى جنب لمنع قيام الخلافة. لقد بدأوا يشعرون أنهم أصبحوا منسيين أو مهملين في البيت الأبيض، الذي يبدو وكأنه يفضل الاهتمام بمساعدة «حماس» وإيران بدلاً من الاهتمام بالأصدقاء.
يا أيها الرئيس.. اعمل كل ما في وسعك لضبط الحدود الجنوبية. وكل يوم ترفض إدارتك وقف تدفق الناس الذين يعبرون حدودنا مع المكسيك لدخول الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية، لأن من المحتمل جداً أن يستغل الإرهابيون هذه الثغرة الأمنية لزرع الخلايا النائمة في داخل وطننا. وأقول لك أيضاً: إيران النووية تشكل التهديد الحقيقي لأميركا وحلفائنا العرب. ونحن نلاحظ الآن كيف يتلاعب الإيرانيون بالبيت الأبيض. إنهم يبحثون عن صفقة مسمومة تسمح لهم بالاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي لتحضير يورانيوم عالي التخصيب. قل لهم: لا نقبل بهذا توقفوا. ولا تتردد عن فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والتجارية والعسكرية الصارمة عليهم. وادفع الإيرانيين دفعاً على الفهم الواضح، الذي لا لبس فيه من أن أوخم العواقب ستكون بانتظارهم، إذا واصلوا تجاهلهم لمواقف المجتمع الدولي.
ولا شك أن عودة الريادة والنفوذ السياسي الأميركي إلى الشرق الأوسط هو أمر في غاية الأهمية لضمان أمننا القومي. وهناك فسحة من الزمن تلوح أمام أميركا الآن لإعادة امتلاك قوة المبادرة وحماية المصالح الأميركية وحلفائنا هناك، إلا أن هذا يحتاج إلى قائد يمكنه أن يقيّم طبيعة الخطر الذي يتهدد الشعب الأميركي والعواقب الخطيرة، التي يمكنها أن تنجرّ عن الصمت وعدم القيام بالعمل المناسب. يا أيها السيد الرئيس.. لقد حان الوقت لتلعب الدور المنوط بك منذ انتخابك، فلا تتأخر عن أدائه.
ـ ـ ـ ـ
ريك سانتوروم
سيناتور «جمهوري» سابق عن ولاية «بنسلفانيا»
ـ ـ ـ ـ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي. انترناشونال"