الصحافة الفرنسية
تصعيد الحرب على «داعش».. ورسائل بوتين المزدوجة
الصراع داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم، والحرب الدولية لصد إرهاب «داعش»، واستمرار الصراع في جنوب شرق أوكرانيا، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
المخاض الاشتراكي
في مقال بصحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب اليميني إيفان ريوفول، أن رئيس الحكومة الفرنسية المعاد تكليفه مانويل فالس لا يفعل شيئاً سوى تسريع انفجار قمقم الحزب الاشتراكي المزحوم بالتناقضات والتعارضات الداخلية، حيث يعرف حالة استقطاب مزمنة بين الجناحين الوثوقي الحزبي والواقعي العملي، وقد أدى الصراع الداخلي الصامت إلى بلوغ حكومة فالس الأولى نهايتها، حيث قدم رئيس الحكومة استقالتها يوم الاثنين الماضي، ليعيد الرئيس أولاند تكليفه بتشكيل حكومة ثانية، ظهرت هي أيضاً في تشكيلتها الجديدة ساعية لتجاوز التناقض المرير داخل صفوف حزب اليسار الحاكم. وتساءل الكاتب ابتداءً إن كان فالس سيعرف في النهاية كيف يتخلص من أوهام ووثوقيات التيار اليساري، غير الواقعي، من الحزب، الذي يظن أن إعادة تدوير المقولات الشعبوية القديمة سيعيد إغواء جمهور الناخبين العريض. وبدلاً من ذلك يحاول فالس هداية رفاقه في الحزب إلى نوع من السياسة الواقعية قائم على قصاصات ومبادئ من الاشتراكية- الليبرالية. وهذا المسعى المغامر -وربما المقامر- من الطبيعي جداً أن تترتب عليه استقطابات إيديولوجية داخل الحزب تدفع بفالس في النهاية إلى لعب دور الإصلاحي داخل الأسرة الاشتراكية. ولذا فقد تكون الحكومة الجديدة التي أعلن عنها يوم الثلاثاء الماضي على موعد هي أيضاً مع سجالات أخرى، وقد لا تنال ثقة ودعم التيار الآخر من الحزب. وبطبيعة الحال ليس مطلوباً من رئيس الحكومة تغيير مفاهيم الممارسة السياسية والإدارية وإكسابها من الواقعية والعملية ما لا تمتلك شروط تحققه من الأساس. وفي سياق الممارسة تنكشف أيضاً استعصاءات في تسيير قطاعات حكومية معينة على وزراء في الحكومة السابقة، ولا يمكن مثلاً الاقتناع ببعض الإصلاحات التي نفذها وزراء فيها، وكذلك محاولة وزير المالية تحديداً بيع بعض أوهام وخرافات رئيس الجمهورية حول مسؤولية القطاع المالي عن كل المشكلات التي تعاني منها فرنسا، وأيضاً مسؤولية أوروبا، وألمانيا.. إلخ. وكما قال سياسي «الوسط» الشهير فرانسوا بايرو مؤخراً، فإن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يتجرعها الفرنسيون الآن ليست في الحقيقة قادمة من الخارج، وإنما هي نابعة من الداخل، ولذا يتعين البحث لها عن حلول هنا، وليس هناك.
وفي سياق متصل تحدثت أيضاً افتتاحية لصحيفة ليبراسيون عن الاستقطاب السياسي الأخير في الحزب الاشتراكي الحاكم مؤكدة أن الخلافات ما زالت قائمة بين تيار براغماتي إصلاحي متحمس لأوروبا، وتيار طوباوي ما زال يتغذى على إيديولوجيات قديمة وبالية، وفي سياق السجال داخل الحزب يبدو التيار البراغماتي هو الأكثر قدرة على الإقناع، فهو لا يعمل على إيجاد خط ثوري شعبوي وإنما غاية طموحه تفعيل ودعم أداء عمل الحكومة بطرق محددة وفعالة. ويبدو أن اتساع حدة الخلافات بين رموز الحزب الاشتراكي خلال فترة الحكومة السابقة قد وصلت إلى حد يهدد مستقبل وحدة الحزب، الذي يبدو اليوم على قدر غير مسبوق من الهشاشة، تقول الصحيفة. وفي افتتاحية ثانية أيضاً عن الموضوع نفسه أكدت ليبراسيون أن ما يريد أولاند وفالس تكريسه من إصلاحات في سياق السياسات الاشتراكية هو نوع من التحول الفعلي نحو المنزع الاشتراكي- الديمقراطي الأوروبي، وذلك بسبب المصاعب التي تواجهها فرنسا في الاقتصاد والأسواق، وإن كان قطاع عريض من اليسار الفرنسي ما زال مقتنعاً أيضاً بأن مفهوم الاشتراكية بمعناه الصحيح يقتضي استمرار التزام الدولة بسياسات اجتماعية ملموسة، ويقتضي فهم الواقع كما هو قبل السعي لتحقيق المثال، أو ما ينبغي أن يكون. ولو عرف أولاند كيف يوفق بين التيار الواقعي المنخرط في مواجهة إكراهات الواقع، والتيار الحالم بما ينبغي أن يكون، فسيكون عندها في موقع يسمح له بلم شمل التيارين المتصارعين تحت سقف البيت الاشتراكي الواحد.
وفي افتتاحية أخرى لصحيفة لومانيتيه الشيوعية قال الكاتب باتريك لوياريك، إن ثمة ضرورة ملحة وعاجلة في فرنسا اليوم للبحث عن مشروع ديمقراطي جديد يتجاوز تغول مؤسسة الرئاسة التي يزداد ابتلاعها واحتكارها للفعل السياسي العمومي، بل إن هناك حاجة إلي وضع أسس جمهورية جديدة تكون الكلمة الفصل فيها لمشاركة المواطنين، وللعلمانية، وتكون قادرة على إطلاق مشروع اجتماعي فرنسي جديد، قائم على التضامن، وحفظ الموارد والبيئة، ودعم حقوق النساء ومناهض للعنصرية. وانتقد الكاتب طرق عمل أولاند، وكيفية توجيهه وتدخله في عملية الإصلاحات السياسية والاقتصادية الصعبة التي يحاول فالس اجتراحها الآن، على رغم معارضة طيف عريض من محازبيه الاشتراكيين.
الحرب على «داعش»
نشرت صحيفة لوموند ضمن تغطيتها للصراع الجاري الآن في شمال العراق لطرد مسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي من هناك، مقالاً عن تقدم البشمركة الأكراد والمكاسب الأخيرة التي حققوها ضد مسلحي «داعش» وتحرير أراضٍ من قبضتهم، فبعد تحرير سد الموصل المهم جداً واصل البشمركة الهجوم المضاد، وتمكنوا بالفعل من تحرير بلدات كانت واقعة تحت سيطرة «داعش» في شمال العراق. وقد تمكن المقاتلون الأكراد من تحسين موقفهم والتقدم بدعم من الطيران العراقي، حيث تم تحرير ثلاث قرى حول مدينة جلولاء، وكذلك تمت السيطرة على طريق رئيسية كان يستخدمها مسلحو التنظيم الإرهابي لتأمين المدد بالمقاتلين والإمدادات الغذائية. والحال أن «موقع جلولاء استراتيجي للغاية وذلك لأنها تمثل بوابة للتوجه نحو العاصمة بغداد»، بحسب ما تنقل لوموند عن قيادي بارز في أحد الأحزاب الكردية، حيث أكد لها ضرورة استمرار توجيه الضربات الجوية للتنظيم الإرهابي مع مواصلة البشمركة الهجوم على الأرض. كما تمكن المقاتلون الأكراد أيضاً من صد هجوم آخر على بلدة طوز خرماتو الشيعية، الواقعة على بعد 175 كلم شمال بغداد. وعلى الجانب السوري من الصراع ضد «داعش» يبدو الموقف أكثر تعقيداً بكثير، حيث تمكن مسلحو التنظيم من إحكام قبضتهم على مطار مدينة الطبقة العسكري، وهو آخر ملاذ لوجود نظام الأسد في محافظة الرقة.
ولفتت الصحيفة أيضاً إلى أهمية دخول الأمم المتحدة على خط إدانة جرائم «داعش» حيث وجهت نافي بيلاي، المفوضة العليا لحقوق الإنسان، اتهامات لمسلحي التنظيم بارتكاب جرائم «تطهير عرقي وديني» في العراق. ودعت إلى محاكمة مقترفي الجرائم بحق الإنسانية هناك. وكان التنظيم قد أقدم على تصفية 670 محتجزاً في سجن «بادوش» في الموصل، في 10 يونيو الماضي. إلى ذلك أكدت الصحيفة أيضاً في مقال آخر تحول «داعش» إلى «العدو رقم واحد» للولايات المتحدة، مرجحة استجابة متنامية، وانخراطاً أكثر فعالية، من قبل واشنطن لصد خطره، والقضاء عليه.
تحدي بوتين
نشرت صحيفة لوفيغارو مقالاً بعنوان: «بوتين يدفع ببيادقه في شرق أوكرانيا» قالت فيه إنه في الوقت الذي تجتر فيه العواصم الغربية اتهامات مكرورة لروسيا بغزو أوكرانيا، خرج الرئيس الروسي معلناً جهاراً نهاراً دعمه للانفصاليين في شرق تلك الدولة، وإن كان أيضاً ينفي باستمرار أن يكون قد أرسل قوات إلى داخل حدود جارته المضطربة. وفي بيان صدر ليلة الجمعة الماضية حيّى زعيم الكرملين «التقدم المعتبر» الذي حققه المقاتلون الموالون لروسيا ضد هجوم قوات كييف. وفي لقاء للشباب الروسي يوم الجمعة قال بوتين إنه يتعين إرغام كييف على الحوار مع الثوار حول القضايا الأساسية، في إشارة إلى مطالب المناطق الواقعة في شرق وجنوب شرق أوكرانيا الناطقة بالروسية، التي يسعى الانفصاليون لسلخها. وانتقدت الصحيفة توجهات وخيار زعيم الكرملين، بقدر ما انتقدت أيضاً ما تعتبره عدم فعالية في ردود فعل العواصم الغربية تجاه سياساته.
وفي السياق ذاته نشرت صحيفة لوموند أيضاً تحليلاً سياسياً بعنوان: «أوكرانيا: أوروبا في مواجهة لعبة بوتين المزدوجة» أكدت فيه أن خطوات الرئيس الروسي بات من الصعب للغاية توقعها، وذلك لأنه يطلق إشارات متناقضة ورسائل مزدوجة تجاه أوكرانيا. ففي وقت بدا فيه الانفتاح على الحوار مع الرئيس الأوكراني الجديد خطوة مشجعة، ادعت كييف وواشنطن رصدهما لنشاط حثيث للعسكريين الروس في دعم الانفصاليين في جنوب شرق البلاد، حيث تجري معارك طاحنة. وقد صار النزاع الأوكراني الآن مزمناً بعد مرور سبعة أشهر، ومقتل ألفي شخص، وتهجير أعداد كبيرة من السكان. كما تسبب النزاع أيضاً في إسقاط الطائرة الماليزية، حيث قتل قرابة 300 إنسان. وفوق هذا يستنزف الجهد الحربي الاقتصاد الأوكراني، وتضر العقوبات بالاقتصاد الروسي، والاقتصادات الغربية، على حد سواء. وكل هذا يؤكد ضرورة إيجاد تسوية لهذا الصراع المعقد من خلال حل يحفظ لأوكرانيا وحدتها واستقلالها، ويستجيب أيضاً لتطلعات جميع الأطراف المعنية.
إعداد: حسن ولد المختار