السؤال المطروح بالنسبة للرئيس بوش بعد إعادة إنتخابه وبالنسبة للعلاقات الأميركية -الأوروبية, ليس هو ما إذا كان يتعين تلطيف الأجواء مع أوروبا أم لا... وإنما ما هي الطريقة التي يمكن تحقيق ذلك بها؟.
المهم في هذا الشأن هو كيف يمكنك أن تمسك بقارة تكرهك وتقول لأهلها: مهلا! أنا لست ذلك الغول الذي تتخيلون! ونحن نستطيع أن نكون أصدقاء!.
والحل هو: اقتراح شيء جديد تماما لدرجة يمكن معها إجبار أوروبا على إعادة التفكير في الصور النمطية أو القوالب التي تضع فيها أميركا. هذا الشيء الجديد في رأيي هو الخروج بمقترح مختلف حول الإحماء الحراري. فمن بين كل نقاط الاحتكاك في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، فإن موضوع الإحماء الحراري هو الموضوع الرئيسي الذي يمكن أن يبدأ به الأميركيون مرحلة تغير طريقة التعامل مع أوروبا بشكل كامل.
بيد أن ذلك لا يعني أن تحاول الولايات المتحدة إرضاء أوروبا بالخروج من العراق مثلا، لأن ترك العراق حاليا سوف يؤدي إلى مفاقمة الأمور. كما لا يعني أن تحاول إرضاءها عن طريق الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، لأنها لن تستفيد شيئا من تعريض نفسها للإدانة بواسطة محاميي حقوق الإنسان. ولكن فيما عدا ذلك فإن الولايات المتحدة لديها كافة الأسباب التي تدعوها لإرضاء أوروبا بشأن الإحماء الحراري لأن موقف الأخيرة بشأن هذه الظاهرة بالذات صائب تماما.
ولكن هذا أيضا لا يعني أن ذلك الموقف كان صائبا على الدوام. فلسنوات طويلة ظل الأوروبيون يرفضون الاقتراحات التي قدمتها لهم أميركا لتقليل التكلفة المتعلقة بتخفيض نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي النهاية أدى العناد الأوربي بصدد هذه المسألة إلى استحالة قيام إدارة الرئيس بيل كلينتون بالتوقيع على أي اتفاقية تتعلق بتنفيذ ( بروتوكول كيوتو).
ولكن و بدءا من عام 2001، أصبح الأوربيون يتبنون مبدأ تخفيض الانبعاثات الغازية وأصبحت الخطوط العريضة الخاصة بسياستهم المناخية سليمة. أولا، أصبحت أوروبا تدرك أن كل دولة من الدول الغنية مطالبة بالقيام بدورها المطلوب، من أجل إبطاء عملية التغير المناخي سواء من خلال الحد من كميات انبعاثها الغازية، أو من خلال دفع مبالغ مالية، لدول أخرى كي تقوم بإجراء تخفيضات في كميات الإنبعاثات الغازية بها. ثانيا، أصبحت تلك الدول تدرك أن الهند والصين غير مطالبة بالقيام باتخاذ إجراءات مماثلة، لأنها ليست هي المسؤولة عن قيام مواطني الدول الغنية بممارسات وأنشطة يترتب عليها زيادة كميات ثاني أكسيد الكربون في الجو.
أما موقف إدارة بوش الحالية من المسألة فيمكن وصفه بأي شيء إلا بالصواب. فبوش بدأ حملته الانتخابية السابقة بتقديم الوعود باتخاذ إجراءات بشأن موضوع التغير المناخي. ولكن بعد أن استلم الحكم فعليا، بدأ يقول أن هذا الموضوع لا يمثل مشكلة حقيقية.
ويشار في هذا السياق إلى أن "مركز بيو للتغير المناخي" وهو من المراكز الرصينة قد نظم في الآونة الأخيرة سلسلة من المناقشات حول الجيل التالي من استراتيجيات التغير المناخي. وشارك في هذه النقاشات معظم حكومات الولايات الرئيسية، وشركات إنتاج النفط والفحم، وأعضاء من مجلس الشيوخ، ولكن مسئوولي إدارة بوش رفضوا حضورها.
وهذا الموقف المتمثل في عدم القيام بشيء بشأن هذا الموضوع يساعد في ترسيخ الصور النمطية التي يرسمها الأوروبيون في مخيلاتهم عن أميركا ، من أنها دولة لا تأبه بأحد، وتتبع خطا انفراديا، وتضع النفط قبل السياسة، والأيديولوجية قبل العلم.
علاوة على أن هذا الموقف بالذات يساهم في عزل إدارة بوش داخليا. فمن المعروف أن بعض حكام الولايات قد قدموا اقتراحات بخصوص إجراءات التحكم في المناخ على مستوى ولاياتهم، ولكن فريق بوش تعامل بشكل عدائي مع هؤلاء الحكام. كما تعامل الفريق بروح عدائية أيضا مع مشروع قانون التغير المناخي المقدم من كل من السيناتور جون ماكين، والسيناتور جو ليبرمان والذي حصل على 43 صوت العام الماضي. علاوة على ذلك هناك خلافات شديدة بين الإدارة وبين بعض قادة الصناعة الذين يفضلون الوضوح بشأن سياسات التحكم في المناخ، بدلا من الجمود الحالي المحيط بها.
إذن يمكن القول أنه بعد إعادة إنتخاب الرئيس بوش فهو بحاجة إلى القيام بإجراء دراماتيكي فيما يتعلق بهذا الموضوع كي يعيد مد الجسور مجددا مع أوروبا.
كما ان عليه إتباع سياسة أكثر استنارة بشأن موضوع التغير المناخي، ليجعل الأوروبيين يدركون أن أميركا ليست دولة شريرة كما يظنون... ولن يساعد عودة المياه الى مجاريها بين الأوروبيين و إدارة بوش قيامه بالتوقيع على بروتوكول كيوتو فحسب.
فهذا الإجراء وحده لن يفيد خصوصا إذا ما عرفنا أنه قد مضى وقت طويل منذ أن تم التفاوض على المعدلات المستهدف الوصول إليها من الانبعاثات الغازية والمحددة في البروتوكول ، وأنها أصبحت بالتالي بحاجة إلى تعديل.
ولكن الولايات المتحدة مطالبة قبل ذلك بتبني روح بروتوكول كيوتو والقيام بتزعم باقي دول العالم من أجل الت