كيف حدث هذا؟
مطر غزير، عاصفة، رعد، وطقس مخيف وقليل من بَرد؟! جئنا المدينة المتحضرة التي لا يقهرها شيء، فقهرها شيء من مطر، وصارت ملحاً لأن المطر كان أقوى من كل ادعاءاتها والخيلاء التي كانت تتصرف بها.
انهارت البلاد، كأن كل تلك المباني والإسمنت الواقف غروراً رمل لا غير. فالماء كان السيد وقتها، والليل كان متآمراً على تدمير كل هذا الصلف وعلى إبقاء الملح صامداً وقت الحر والرطوبة فقط، ليذوب مع هوج المطر منذ أول زخة.
وماذا عنهم؟
أولئك الذين تتساقط سقوفهم لقِدمها، والذين تعربد الريح في بيوتهم لكثرة شقوقها والذين لا يملكون شيئاً يقيهم قلق الإنفاق على ما قد يكلفه المطر الغزير الذي لا يأتي دوماً، والذي ننتظره بشوق عظيم أحياناً لأن ما قد يخلفه المطر أصعب من أن يمكن تحمله.
الأرض الجدباء ارتوت من هذا المطر، والجفاف سيكون غائباً هذا الشتاء، لكن النجدة التي نحتاجها من نوع خاص. هل يمكنك أن تدرك ماذا يعني المطر؟ وماذا يعني أن تنام أسرة في عراء بيت يكاد يزيد عمره على الثلاثين عاماً ونيف؟.
ماذا فعل هذا المطر؟
اسألوهم جميعاً الذين ناموا باطمئنان ودفء، لأن شيئاً لم يمس قلقهم من هذا الماء السماوي الجليل.
هل ننتظر الفكرة التي ستأتي بعد السكرة؟
هل يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الصمت الرهيب واليأس من التغيير الإيجابي؟
كل عام تتجدد هذه المخاوف، وتتجدد المطالب وتتجدد رؤية الوجوه التي أرهقها طول الانتظار ودبيب اليأس مما قد يأتي ويكون.
ألم يحن الوقت لإنقاذ مدن وبشر ودولة؟
فالغش في البيوت فضح الأعمال التي لم تخضع لمقاييس وشروط الجودة. وانهيار الأسقف الفضية القديمة- الجديدة فضح ممارسات البعض في تجاهل ما قد يعانيه مواطنو الدولة البسطاء من بيوت متهالكة. أما المسؤول فمتجاهل دوره وإمكاناته في إحداث تغيير إيجابي في حياة هؤلاء.
فصاحب البيت الجديد مشكلته لا تختلف عن البسيط ساكن البيت الشعبي. الأمر كله يندرج تحت بند الغش والتدليس والسرقة العلنية المبطنة بتكاليف البناء وأدواته. كلها مسائل نصب يجاهر بها بمعصية البقاء بيننا كأنه هو الصحيح، والباقي مجرد أكاذيب وادعاءات.
نحب المطر إلى درجة العشق، ونخافه إلى درجة لا نتمنى أن يأتي مرة أخرى.
ولا يهم جدب الأرض، بل المهم أن يظل المستور مستوراً، ولا نعلن أننا جميعاً ضحايا مؤامرة مستمرة من الكذب والهروب من المسؤوليات. وأننا ضحايا استغلال هو الأكثر والأفدح في العالم بأسره. كم من الأموال سكبت على هذه البيوت دون فائدة تذكر؟.
بل بالعكس كان الواقع أقسى من كل التوقعات التي جاءت بها تلك المبالغ الضخمة التي ننفقها لضمان بيت يأوي أحلاماً وصغاراً. الحقيقة تعلن أننا نعيش في مدن ملحية... وأن ما نملكه، إنما هو قبض ريح.