«داعش» والاستغلال السيئ للدعاية والإعلام
إذا كان «داعش» بممارساته الوحشية يذكرنا بما كان سائداً في القرون الوسطى، فإنه عندما يتعلق الأمر بقدرته التواصلية واستخدامه لوسائل الإعلام، يُحيلنا مباشرة إلى القرن الحادي والعشرين، فهي نشطة للغاية في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لديه منشورات ومجلات أسبوعية، فضلاً عن استخدامه للوحات الإعلانية والقمصان والقبعات الرياضية، بل فتح مكاتب للداعية في سوريا والعراق. ويبدو أن «داعش» عمل أيضاً على توسيع آلته الإعلامية لإيصال رسالته إلى أكبر عدد من الناس، وبخاصة منذ أن شنت الولايات المتحدة هجماتها ضد قوات التنظيم بالعراق في 8 أغسطس المنصرم، هذا التوسع يمكن رصده بوضوح في العدد الهائل من أشرطة الفيديو التي أطلقها التنظيم في الفترة الأخيرة، فعدا عمليات الذبح لثلاثة صحفيين أميركيين وموظف إغاثة بريطاني والتي صورها «داعش» ووضعها على الإنترنت بهدف ثني أميركا عن استهدافها، وهو ما لم يتحقق بعد أن كان لأشرطة الفيديو تلك دور المحرض على قصف «داعش» والتصدي العسكري له، هناك أيضاً الأشرطة الحديثة التي أطلقها التنظيم ويظهر فيها أحد الرهائن البريطانيين مخاطباً الجمهور، إذ يبدو أن «داعش» غير تكتيكه مع الصحفي البريطاني، «جون كانتلي»، الذي بدلا من تصفيته لجأ إلى تصويره في مقطعي فيديو أُطلقا في 18 و23 سبتمبر على التوالي، حيث ظهر الرهينة وهو يقرأ من ورقة معدة مسبقاً.
وفي الخطاب يصف الصحفي البريطاني نفسه على أنه «مواطن بريطاني تخلت عني حكومتي ومعتقل طال عليه الأمد في أيدي داعش»، مقارناً بين وضعه ووضع رهائن أوروبيين آخرين أوفر حظاً بعدما عملت حكوماتهم على إطلاق سراحهم، فيما يرفض الأميركيون والبريطانيون التفاوض مع «داعش»، ويجادل «كانتلي» ضد العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة وتشارك فيها بريطانيا ضد التنظيم، محذراً من مصير مشابه لما لاقته القوات الأميركية في فيتنام وما واجهه بوش في العراق، كما يشير الرهينة البريطاني إلى حاجة الولايات المتحدة لنشر قوات برية على الأرض، أما في الشريط الثاني فينهي الصحفي المحتجز لدى «داعش» كلمته بالاستشهاد بتصريحات محلل الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، مايكل شوير، الذي تزعم وحدة محاربة القاعدة في الوكالة، قائلا إن الإسلاميين «كانوا في الميدان منذ عام 1979، لكن حركتهم لم تتوسع، وتكتسب السلاح والشعبية كما هي عليه اليوم». غير أن إنتاجات «داعش» من الأشرطة المصورة منذ شهر يونيو الماضي ما عادت تكتفي بتسجيل الرهائن ورسائلهم، حيث برزت أشرطة من نوع آخر تركز على الحشد والتجنيد مثل شريط بعنوان «لا حياة من دون جهاد» يظهر فيه مقاتلون ناطقون بالإنجليزية يحثون الآخرين على الانضمام إليهم و«كسر الحدود»، ملوحين بمعدات وأسرى وقعوا في أيدي «داعش» بعد اجتياز الحدود العراقية السورية.
وخلال الأسبوع الماضي أطلق التنظيم الإرهابي شريطاً وثائقياً من 55 دقيقة بعنوان «لهيب الحرب» ينتقل بين مشاهد مروعة لجنود النظام السوري أجبروا على حفر قبورهم قبل إردائهم قتلى، وبين مقاتلين يتحدثون الإنجليزية بلكنة أميركية يشرحون سبب انضمامهم لتنظيم «داعش»، ثم هناك شريط إعلاني للعبة فيديو «جهادية» يقوم فيها اللاعبون بقتل الجنود العراقيين والقوات الأميركية، وإذا كانت للولايات المتحدة وحلفائها أسلحة متطورة، فإن التنظيم الإرهابي يمتلك، حسب أحد المسؤولين الأمنيين، قدرة فائقة على مخاطبة الجمهور واستخدام أحدث الوسائل لكسب العقول والقلوب واستقطاب الأتباع، ووفقاً لمحللين حاليين وسابقين في الاستخبارات الأميركية يتوفر فريق العلاقات العامة الخاص بـ«داعش» على ميزة لا تتوفر لغيره فيما يتعلق بالتأثير على الشباب، فمنطقة الشرق الأوسط تظل أرضاً خصبة لاستقبال الخطاب المناهض للغرب ولأميركا تحديداً.
وفي خضم المشكلات التي تعرفها المنطقة من انتشار الفوضى والعنف الطائفي والظلم الاجتماعي يصور «داعش» نفسه على أنه الحل القادر على مواجهة تلك الصعوبات، ولعله من النماذج الدالة على الآلة الدعائية لتنظيم «داعش» الخطبة التي ألقاها المتحدث باسمه، أبو محمد العدناني، في 21 سبتمبر الماضي، والتي تُرجمت من العربية إلى أكثر من لغة ووضعت على مواقع التواصل الاجتماعي لتصل العالم بأسره.
وقد تخللت خطبةَ العدناني التي دامت 42 دقيقة أوصافٌ قدحية وجهها للرئيس أوباما ووزير خارجيته كال إليهما أقذع السباب والشتائم، وفي فقرة موجهة للأميركيين قال العدناني «لم تبدأ داعش الحرب ضدكم كما تسعى حكومتهم وإعلامكم أن يدفعكم للاعتقاد»، مضيفاً أن الولايات المتحدة «ستدفع الثمن» عندما ينهار اقتصادها «وستدفعون الثمن عندما يزج بأبنائهم في هذه الحرب ليرجعوا لكم إما بأطراف مقطوعة أو على النعش، أو مختلين عقلياً».
وفي النهاية يبدو أن أميركا مهما حاولت التصدي لخطاب «داعش» لن تستطيع مواجهته تماماً كما فشلت سابقاً في تغيير المنطقة وخلق شركاء ديمقراطيين، ومثلما تحتاج الحكومة العراقية في بغداد إلى إشراك السُنة والتصالح معهم والقطع مع سياسات نوري المالكي السابقة، فإنها اليوم محتاجة أكثر للحاضنة السُنية لمواجهة الآلة الدعائية للتنظيم، ولن تفيد محاولات أميركا التواصلية ولا تغريداتها العديدة على «تويتر» في تغيير هذا الواقع الذي يتعين على أهل المنطقة أنفسهم النهوض به.
-------
والتر بينكوس
محلل سياسي أميركي
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»