تناقلت وسائل الإعلام حول العالم بأن طابعاً بريدياً قيمته الإسمية التي صدر بها أول الأمر هي سنت واحد فقط، بيع في مزاد علني أجرته «دار سوثبي» للمزادات في نيويورك بتسعة ملايين ونصف المليون دولار أميركي. والطابع يعود إلى سنة 1856، وصدر في غيانا البريطانية. وربما أن القارئ العربي يستغرب مثل هذا الأمر، وقد لايصدقه، ولكن تلك هي الحقيقة كما تم تداولها حول العالم. المهم أن جمع الطوابع هواية منتشرة على مدار العالم، ومن بين روادها العديد من المشاهير وأصحاب المال، والقيمة المالية للطوابع التي يتداولها الهواة تفوق أضعاف قيمتها الأصلية التي تصدر بها، فكل طابع يصدر إما أن يكرم شخصية مشهورة أو يخلد حدثاً مهماً أو يسلط الضوء على معلم سياحي وجزء طبيعي من البلد المصدر، وفي المجمل الطوابع هي عاكس لقصص وأحداث ومشاهد وطنية لدول العالم كافة. طابع البريد هو أعظم رحالة في العالم، فهو يقطع المسافات من نقطة إلى أخرى تحت الظروف المناخية كافة، راكباً الطائرة أو الباخرة أو القطار أو حتى ظهر الجمل أو الزحافة التي تجرها الحيوانات الأليفة، عابراً الأجواء والمحيطات والأراضي الشاسعة. وطابع البريد أعظم معرض في العالم للفنون والصور واللوحات، فعلى وجهه تعرض صور الأبطال والعظماء والملوك والرؤساء والملكات والشخصيات من عمق التاريخ السحيق، من أمراء وأميرات وشعراء ومغامرين وأباطرة ومستكشفين وشيوخ قبائل ومخترعين وموسيقيين وشهداء وقصاصين وسلاطين وعلماء وشيوخ دين ورهبان وقديسين وقارعي الطبول والجبابرة والرياضيين والصيادين والقناصين. حتى الحيوانات الأسطورية كالتنين والعنقاء والديناصورات تظهر على وجهه ضمن إطار بديع ومزركش، فقد مرت على محدثكم خلال رحلته الطويلة مع الطوابع البريدية منذ عام 1960 صور ورسوم وأشكال لا تخطر على البال، حملها وجه الطابع البريدي. إن طابع البريد يؤطر للفرح، والسلام العالمي وحقوق الإنسان والمرأة والطفل، مثلما يؤطر للرعب والمآسي الآتية من الحروب وقسوة النزوح والهجرة القسرية والتشريد، والمجاعة والرخاء، وهو يصور رحلات ابن بطوطة والسندباد ومغامراتهم في بلاد الله الواسعة، مثلما يصور قصص الأطفال وأحلام الطفولة والتراث الإنساني في مشارق الأرض ومغاربها. وطابع البريد يعكس رموز الفن والأدب والثقافة والموارد الطبيعية والصناعة والتجارة والزراعة والهندسة المعمارية وجميع التطلعات الإنسانية لإنعاش الاقتصاد، وتوفير سبل العيش الكريم للبشرية جمعاء. وفي هذا السياق هو يخلد الرحلات البشرية الرائدة والمخترعات والاكتشافات والمبتكرات التي تجعل من الحياة جديرة بأن يتم التشبث بها. لذلك كله فإن ملايين البشر يحبون طابع البريد، والبعض منهم إلى درجة الولع، فمن خلال تنوعه يجدون متعة لا حدود لها وراحة للأعصاب، مثلما يجدون المعرفة حول مجالات الحياة كافة، فجامع طوابع البريد الذي يتفحص مجموعاته لا يجد المتعة فقط في ملء الفراعات في ألبوم طوابعه، لكنه يضيف أيضاً إلى رصيد معرفته وثقافته العديد من المعلومات من دون أن يجهد نفسه كثيراً للحصول على تلك المعلومات، وبطريقة سلسة وسهلة لا يمكن تصورها. فطابع يصدر مثلاً حول الثاني من ديسمبر 1971، وهو اليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويحمل خريطتها السياسية بحدودها البرية والبحرية، وعلمها بألوانه الأربعة وصورة رئيسها يعطي من ينظر إليه ويتمعن فيه جيداً معلومات جغرافية وسياسية وثقافية، يحتاج لو أراد استقاءها من مادة مكتوبة في كتاب إلى وقت أطول لاستيعابها من مجرد إلقاء نظرة واحدة على طابع بريد واحد ربما تكون قيمته فلساً واحداً، فلا تلوموا من يشتري طوابع البريد النادرة بملايين الدراهم شغفاً وحباً فيها، ففي طوابع البريد سحر وجاذبية لمن يهوى جمعها، ولله في خلقه شؤون.