إن الحروب العبثية القائمة هذه الأيام في العراق، لا تتفق وحقوق الإنسان، أياً كانت الحجج والمبررات الواهية لهذه الإبادة لشعب أعزل ينشد حياة كريمة آمنة من حقه أن يحياها. بالله عليك... كيف ينعم طفل تحت هدير الدبابات ودوي المدافع؟ أم كيف تأمن عجوز وسط لهيب النيران المشتعلة؟ بل هل يحيا شاب أو رجل بين هاتيك الأشلاء والحطام والدمار والدماء؟ أين الإنسانية والرحمة؟ أحسبها توارت وسط الحطام وخلف الدخان لتبرز مكانها العيون الحمراء للنيران والأنياب السوداء للشيطان، وتهوي البشرية في مستنقع الذل والهوان، بفتك الإنسان بأخيه الإنسان. ومن عجب أن يبرز من بني جلدتنا من يضع المبررات وعلى رأسها الإرهاب، وأما الأبرياء الذين يجب أن يكون لهم الاعتبار الأول بحفظ أرواحهم فقد تجردت القلوب من أقل مظاهر الرحمة لتدك الحابل بالنابل. رحم الله الفاروق عمر - رضي الله عنه- حين قال: "لئن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة". فلئن كان الخيار بين أمرين هما: قتل الأبرياء والأخذ على يد الجناة، أو نجاة الفريقين إلى حين تتاح الفرصة للأخذ على أيديهم، فالخيار الثاني أولى من أجل حياة الأبرياء. فليس من المعقول -أبداً- أن يكون أهل الفلوجة كلهم ولا نصفهم ولا أقل من ذلك إرهابيين، ولكن من الممكن أن تكون هناك بعض الخلايا تتخللهم، وهناك طرق أخرى للأخذ على أيديهم -إن كان الهدف ذلك- لهذا نرجو الرحمة بالضعفاء والأبرياء وإخماد المعارك الدامية أو تنقل ساحتها خارج المدن والقرى، ليأمن الناس على أنفسهم في هذه الحقبة الموسومة بالدموية، والتاريخ يسجل، والعقاب من الله أكبر -إن كان هناك خوف منه سبحانه- وأما تحقيق الأطماع والمآرب فيجب ألا يكون على حساب الأبرياء إذ من حق الشعوب أن يتوفر لها الأمن والأمان.
دماء الأبرياء التي تراق في الفلوجة وغيرها سوف تجأر بالشكوى لخالقها، فيحل العذاب والنكال على سافكيها، فالقتل عند الله عظيم، وهل هناك جرم أكبر من هدم بناء بناه الله تعالى ألا وهو الإنسان الذي هو من صنع الله وخلقه؟ يجب أن تراجع الحسابات كثيراً في غزو العراق لأنه لا طائل للغزاة من هذه الحرب إلا الدماء والأشلاء. وهل هذه غنيمة؟ فبئس الحرب ومن يشعلها أو يساعد على اندلاعها، ونعْمَ من يخمدها، فأين من يفعل ذلك؟ لا سبيل إلى هذا إلا بالتخلي عن الأطماع والتحلي بالأفضال.
سليمان العايدي- أبوظبي